الدوحة – الراية:

أكد الرفض القطري لمحاولات القفز فوق القرارات الدولية التي تؤكد تبعية الجولان المحتل لسوريا وتصف استيلاء إسرائيل عليها بالاحتلال، انتصار قطر لقضايا الأمتين العربية والإسلامية التي اعترف بعدالتها المجتمع الدولي بأسره رغم عجزه عن إنصافها على أرض الواقع، كما عكس موقف قطر المبدئي والثابت بأن هضبة الجولان أرض عربية محتلة.

وتبرز أهمية الموقف القطري في ظل ردود الفعل العربية والدولية الرافضة والمنددة بتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن نواياه الاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان التي احتلتها من سوريا عام 1967، بالتأكيد على أن الاعتراف المحتمل لن يغير من حقيقة أن الجولان أرض سورية محتلة من جانب الكيان الإسرائيلي، مثلما لم يغير في السابق من وضع مدينة القدس، حيث رفضت دول العالم الحر نقل سفاراتها إلى القدس لمخالفة ذلك لقرارات الشرعية الدولية.

وتكمن أهمية الموقف القطري في التعبير عنه بشكل مباشر وليس فقط عبر عضويتها في مجالس أو منظمات دولية، تتسم فيها مواقف بعض الدول بنوع من التضليل والتماهي دون قناعة مع رأي الأغلبية، فيما تحيك هذه الدول نفسها مؤامرات خبيثة وتعقد صفقات وراء الأبواب المغلقة لتحقيق مصالحها الخاصة، ضد ثوابت الأمة وقضاياها العادلة مثلما حدث في صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية باتفاق مشبوه بين دول عربية وكيان الاحتلال.

ولاقى موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إدانات واسعة بعد تغريدة كتبها مساء الخميس على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، قال فيها «بعد 52 عاما حان الوقت لكي تعترف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان».

ويبقى العالم العربي والمجتمع الدولي على موعد مع اختبار حاسم لفاعلية مواقفه وقراراته، بعد تأكيد ترامب في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» أنه قرر المضي قدما في الاعتراف بما يسميها سيادة إسرائيل على الجولان، وشبه هذا الأمر بالقرار الذي وقعه في ديسمبر 2017 بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. وذكر الرئيس الأمريكي أنه سيقدم على هذه الخطوة رغم مناشدات عديدة من مختلف أنحاء العالم لثنيه عن ذلك، وأضاف أنه يتفهم صعوبة الأمر وعدم إقدام أي من الرؤساء الأمريكيين السابقين عليه.

 التــــزام بقـــــرارات الشــــــرعية الــــــدولية

أعطت قطر بموقفها من قضية الجولان، درسا جديدا في الدبلوماسية الدولية بأن العلاقات الاستراتيجية الوثيقة بين الدول على المستوى الثنائي لابد من استثمارها في تعزيز الالتزام بقواعد القانون وقرارات الشرعية الدولية وليس تجاوزها أو القفز عليها.

وتنطلق قطر في موقفها من إدراكها العميق لما يمكن أن تسببه الاستهانة بقرارات الشرعية الدولية من تداعيات كارثية باتساع رقعة اليأس والإحباط والشعور بالظلم والانحياز بين الشعوب، نتيجة عجز المجتمع الدولي عن تنفيذ قرارته وما يستتبعه من تهديد للأمن والسلم الدوليين.

وأكدت قطر أن مساعدة الاحتلال الإسرائيلي على ازدراء القرارات الأممية ذات الصلة بهضبة الجولان المحتلة وخصوصا قرار مجلس الأمن رقم /‏497/‏ لسنة 1981 لن تغير من حقيقة أن الهضبة أرض عربية محتلة، وشددت على أن فرض إسرائيل قوانينها وولايتها وإدارتها على الجولان يعد باطلا ولاغيا ودون أي أثر قانوني.

كما أكدت قطر ضرورة امتثال الاحتلال الإسرائيلي لقرارات الشرعية الدولية بالانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة بما فيها هضبة الجولان، وأن أية قرارات أحادية للاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان ستشكل عائقا كبيرا أمام السلام المنشود بالمنطقة.

 

موقف قطر يرتكز على أسس القانون الدولي

لم تكتف قطر بالانتصار لعروبة الجولان ضد الاحتلال الإسرائيلي، عبر عضويتها في كيانات ومنظمات عربية ودولية ترفض شرعنة احتلال الكيان الإسرائيلي للجولان مثل مجلس التعاون الخليجي أو جامعة الدول العربية، بل عبرت عن موقفها بصراحة، باعتباره موقفا قطريا مبدئيا ثابتا وليس فقط موقفا خليجيا أو عربيا بحكم عضويتها في المجالس والمنظمات ذات الصلة.

ارتكزت قطر في موقفها على أسس وقواعد القانون الدولي التي تقر بأن الجولان أرض سورية احتلتها إسرائيل بالقوة العسكرية في الخامس من يونيو عام 1967 وهي حقيقة تؤكدها قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ويعترف بها المجتمع الدولي بأسره.

وتضع الدوحة بموقفها الثابت، المجتمع الدولي أمام مسؤولياته من هذه الإجراءات المحتملة والتي من شأنها تقويض فرص تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم في منطقة الشرق الأوسط.

سياسة الرئيس الأمريكي تهدد استقرار العالم

تتمتع الولايات المتحدة الأمريكية بعلاقات استراتيجية مع العالم العربي فيما تحذر تقارير إخبارية من عدم اكتراث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقرارات الشرعية الدولية سواء في مسألة نقل السفارة الأمريكية للقدس أو شرعنة الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان.

ونقلت التقارير عن مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية قوله إن مسؤولين أمريكيين يعدون وثيقة رسمية باعتراف واشنطن بسيادة إسرائيل على الجولان، ومن المرجح أن يوقعها ترامب الأسبوع المقبل أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن.

وأشارت التقارير إلى أن سياسة الأمر الواقع التي يتبعها الرئيس ترامب تهدد أمن واستقرار العالم وكان آخرها الحادث الإرهابي ضد مسلمين في نيوزيلندا، حيث ألقى البعض باللوم على الرئيس ترامب وتصريحاته السابقة ضد المسلمين، ما أسفر عن تأجيج مشاعر الكراهية ضدهم، ثم توقيعه قرارات قائمة على سياسة الأمر الواقع نفسها بحظر دخول مسلمي بعض الدول إلى الولايات المتحدة في 27 يناير سنة 2017، وهو القرار الذي أقرته المحكمة العليا في يونيو ٢٠١٨.

 

 دعم متواصل لحقوق الشعب السوري

يبرز الموقف القطري المدافع عن عروبة الجولان السورية باعتباره موقفا مبدئيا لنصرة حقوق الشعب والدولة السورية وليس النظام الذي يقتل شعبه، وتتضح حكمة الموقف القطري في التفريق بين خلافها المبدئي والأخلاقي مع نظام مستبد وبين دعمها لحقوق دولة وشعب راسخ في قلوب وعقول الأمة العربية. ويتسق موقف الدوحة مع مسيرة دعمها المتواصل للشعب السوري على كافة المستويات بدعمها حل سياسي يرتضيه الشعب السوري مع ضرورة محاسبة من ارتكبوا بحقه جرائم حرب وعدم إفلاتهم من العقاب وأيضا دعم صموده والتخفيف من معاناته عبر حزم المساعدات الإنسانية والإغاثية.

رفض الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل

أثبتت كثير من المواقف الحاسمة لدولة قطر رفضها المساومة أو التفريط في قضايا الأمة، وذلك بعقلانية وحكمة تستند إلى قواعد القانون وقرارات الشرعية الدولية.

تجسد هذا المبدأ القطري في أحدث فصوله في رفض الدوحة شرعنة الاحتلال الإسرائيلي للجولان السورية، ومن قبلها رفضها القاطع لما يعرف بصفقة القرن والتنازل عن أراضي فلسطينية لدولة الاحتلال، كما أعلنت رفضها التام لأي إجراءات تدعو الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل عقب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. وبينما ثبت تلكؤ بعض الدول العربية التي تبين أنها شريكة في الصفقة وعدم تعليقها على قرار نقل السفارة ثم اضطرارها لاحقا إلى إعلان مواقف روتينية داعمة للقدس بعد زيادة الضغوط الشعبية عليها ووجود مؤشرات بفشل الصفقة، بادرت الدوحة فورا بالتأكيد أن من شأن مثل هذه الإجراءات تقويض الجهود الدولية الرامية إلى تنفيذ حل الدولتين، وجددت موقفها الداعم للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني الشقيق، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشريف.