بقلم : أحمد ذيبان (كاتب وصحفي أردني) ..
يسير الأردن في سياسته الخارجية، كمن يمشي على حبل مشدود أو في حقل ألغام، وتبدو أكثر مُعاناته السياسية قسوة مع «الأشقاء»، الذين يرتبط معهم بعلاقات سياسية مميزة تقليدية، مثل السعودية والإمارات ومصر!.
لكن بدا في الآونة الأخيرة وكأنه يُحاول التخفيف من الأعباء الثقيلة التي تُسبّبها له هذه السياسة، بموازاة مُطالبات برلمانية وقوى سياسية وشعبية بضرورة تحسين العلاقات مع قطر، ولفت الانتباه ما يُشبه التوجّه الرسمي لتصويب مسار العلاقات بعد فترة فتور استمرت سنوات، من خلال زيارات رسمية مُتبادلة، كان أبرزها زيارة رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة للدوحة، للمشاركة في اجتماعات الاتحاد البرلمان الدولي، وزيارة وزير العمل سمير مراد للتنسيق بخصوص توظيف أيدٍ عاملة أردنية في قطر، وخلال الأيام الماضية زار الأردن وفد عسكري قطري رفيع المستوى، برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري خالد بن محمد العطية، واستقبله الملك عبد الله الثاني ورئيس الوزراء عمر الرزاز، بالإضافة إلى إجراء مباحثات مع رئيس هيئة الأركان المُشتركة الفريق الركن محمود فريحات، وقيادات عسكرية أخرى، وكان أهم ما في الزيارة التوقيع على «اتفاقيات للتعاون والتنسيق العسكري المشترك».
ومن يقرأ مواقف الأردن إزاء العديد من الملفات الإقليمية خلال السنوات الماضية، يلحظ أنه يتبع سياسات ومواقف «مُجاملة»، تبدو أحياناً مُتضاربة وغير مُنسجمة، لكن هدفها الأساس كان إرضاء «الأخوة الأعداء» وعدم إغضابهم!.
وأحد الأمثلة على ذلك موقف الأردن، بعد قرار الثلاثي الخليجي «السعودية والإمارات والبحرين» بالإضافة إلى نظام الانقلاب في مصر، بفرض الحصار على دولة قطر، حيث قرّر الأردن تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع قطر وإغلاق مكتب قناة الجزيرة، دون أن يكون له «ناقة ولا جمل»!، رغم أن الذرائع التي استندت إليها دول الحصار، وهي في جوهرها تزعم أن قطر تدعم الإرهاب، لم تقنع حتى «الأميين» سياسياً!.
ورغم أن الحكومة الأردنية تسارع لإدانة أي حادث إرهابي في العالم، أو قرار سياسي يُغضب «الحلفاء»! وكان أحدثها إدانة الهجوم على وزارة الاتصالات الأفغانية قبل أيام، لكن لوحظ أن الحكومة والإعلام المُوجه تجاهلت جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في اسطنبول من قبل فريق اغتيال أرسلته الحكومة السعودية، رغم أن الجريمة هزّت الرأي العام الدولي، بل صدر تصريح يتيم من قبل الناطق الرسمي باسم الحكومة، يُعبّر عن تضامن الأردن مع «المملكة الشقيقة»، ويؤكد الثقة بإجراءاتها القانونية!، كما لم يتحدّث الأردن بكلمة عن الجرائم التي يرتكبها التحالف السعودي الإماراتي في اليمن!.
ويحرص الأردن على تنسيق المواقف مع القاهرة، وينتهج سياسة الاسترضاء والمُجاملة مع النظام المصري، وتصمت الحكومة الأردنية والإعلام الرسمي، عن ما يحدث في مصر من انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان!.
من الواضح أن الأردن بات يُدرك أن قطر نجحت بإفشال الحصار سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً، وأن دول العالم لم تتعاط بجديّة مع الذرائع المزعومة التي استندت إليها دول الحصار، ويبدو أن عمّان تريد بعث «رسائل» لمن يهمّه الأمر! بعد أن باتت تخشى الوقوع في «مصيدة» بعض الأشقاء، وفق ما يتسرّب من معلومات عن «صفقة القرن»!.
وقبل أيام تحدّث مسؤول أردني كبير سابق، هو الدكتور جواد العناني عبر قناة الجزيرة، عن قبول السعودية والإمارات بالصفقة، وعن ضغوط تمارسها الدولتان على الأردن بشأن مُواقفه من القضية الفلسطينية والقدس!، ورغم أن العناني تحدّث كمحلل سياسي، لكنه في الواقع لا يزال جزءاً من منظومة النظام، ويعكس تصريحه «غضباً مبطناً» إزاء مواقف الرياض وأبو ظبي، وكان من المؤشرات السلبية في تراجع حرارة علاقات الأردن مع السعودية، ما يتسرّب عن محاولة الأخيرة «نزع الوصاية الهاشمية» على المقدّسات بالقدس، كما حدث خلال اجتماع برلماني عربي عُقد في المغرب مؤخراً!.
أما الحديث عن مُخرجات قمة مكة الرباعية «السعودية، الإمارات، الكويت، والأردن» التي عُقدت العام الماضي، بهدف دعم الاقتصاد الأردني المُنهك، فينطبق عليها القول «تمخّض الجبل فولد فأراً»!، حيث كانت القرارات متواضعة جداً لا تسد الرمق، في المقابل قرّرت قطر تقديم مساعدات على شكل استثمارات، ووضع وديعة في البنك المركز الأردني، بالإضافة إلى توفير 10 آلاف فرصة عمل لشباب أردنيين.