الأزمة الخليجية باقية.. والجميع خاسرون
فشل المحور الخليجي في تطلعات الشعوب نحو الحرية والكرامة
د. ماجد الأنصاري : الأزمة الخليجية ليست مُنفصلة عن محيطها الإقليمي

كتب – إبراهيم بدوي:
اتفق خبراء وأكاديميون على أن الأزمة الخليجية باقية وستستمر بسبب عدم مُعالجتها بشكل استراتيجي طويل المدى يحدّد المكسب والخسارة من هذه الأزمة الذي تبدو بها كافة الأطراف خاسرة.
وأكد الخبراء والأكاديميون، خلال الجلسة الأولى لمنتدى الجزيرة الثالث عشر، أن الحراك الشعبي والتطوّرات الأخيرة في دول السودان والجزائر وليبيا، يؤكد فشل المحور الخليجي في تطلعات الشعوب نحو الحرية والكرامة في الربيع العربي، وأيضاً فشلها في إيجاد استحقاق للأنظمة التي تدعمها.
فمن جانبه، حذر الدكتور ماجد الأنصاري أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر من خطورة النظر إلى الأزمة الخليجية والعلاقات الخليجية – الخليجية باعتبارها منفصلة عن محيطها الإقليمي والدولي.. لافتاً إلى أن ما حدث في الخليج ليس إلا امتداد طبيعي لتغيّر أساسي في بنية النظام الدولي. وقال: إن الخليج جزء من الحلقة التي يدور فيها المجتمع الدولي الذي انتقل من عالم متعدّد الأقطاب إلى أحادي القطب، ثم عودة إلى عالم جديد متعدّد الأقطاب يلوح في الأفق.
وتناول ما وصفه بتغيّر صورة المنظومة الخليجية بعد تراجع دور الولايات المتحدة في المنظومة الدولية ليبقى دوراً أساسياً، لكنه ليس الدور الوحيد، وبالتالي بدأ بعض حلفاء الولايات المتحدة يتنفسّون في معزل عن القرار الأمريكي المُباشر وتوظيف النفوذ الأمريكي لصالح أجندتهم.
وقال: إن الولايات المتحدة لم تستطع خلال السنوات الماضية أن تثبت أنها قادرة على حماية الحلفاء ومصالحها بشكل مباشر، وإن هناك حالة من القلق والحذر لدى الإعلاميين والمثقفين من الحراك الحادث في المنطقة العربية.. مؤكداً أنها موجة ثانية للثورات العربية ونتاج طبيعي لفشل الأنظمة في استعادة السيطرة في الحالة العربية بشكل عام.
وأوضح أن المحور الذي أراد وأد الربيع العربي نجح على المدى القريب وليس على المدى الطويل ولم يستطع أن يوجد حالة من الاستحقاق. ولفت إلى فروق بين موجتي الثورات العربية، أولهما حالة المفاجأة التي تعرّضت لها الأنظمة السياسية بالعالم العربي والتي أدت إلى عدم القدرة على اتخاذ مواقف واضحة في البداية، بينما اليوم هناك اصطفاف ووضوح حول من يدعم الحراك ومن لا يدعمه وليس هناك لغط حول ما تريد أن تفعله هذه القوى سواء في الخليج أو غيره تجاه أي حراك شعبي يحدث في المنطقة.
وأضاف أن هناك تغيّراً في النظام الدولي ورؤيته تجاه العالم العربي بسبب ثورات الربيع العربي الأولى والتي جعلت هناك حالة ارتباك تجاه ما يحدث بالسودان وليبيا والجزائر، فهناك حالة انقسام بين أوروبا والولايات المتحدة.
د. محمد الشنقيطي: قطر استخدمت القوة الحكيمة في التعامل مع الأزمة الخليجية
قال الدكتور محمد مختار الشنقيطي أستاذ الأخلاق السياسية بجامعة حمد بن خليفة: إن قطر استخدمت القوة الحكيمة للتعامل مع الأزمة الخليجية، لافتاً إلى أن مفهوم القوى الحكيمة قائم على المفهوم العربي للحكمة، وهو وضع الشيء في موضعه، وهو المفهوم الذي تتعامل به دولة قطر.
وتحدّث عن مفاهيم القوى وكيفية تطبيقها على قطر، لفهم العديد من التطوّرات في عالمنا اليوم، موضحاً أن من مفاهيم القوى، القوى الناعمة واللائقة والحادة، ومفهوم يُتداول أحياناً في عالم المال، وهو مفهوم القوى الحكيمة.
وأشار إلى أن مفهوم «القوى الناعمة» ابتكره المُفكّر الاستراتيجي جوزيف ناي، عميد كلية كنيدي لجامعة هارفارد، والتي تعني قدرتك على قوة الإقناع بدل قوة الإكراه. ونوّه إلى أن جوزيف ناي أشار إشارات عابرة إلى قطر في كتابه «القوى الناعمة»، وقارنها بسنغافورة وركّز على الجزيرة بوصفها القوى الناعمة، ولكنه لا يحب الجزيرة كثيراً ويقول إنها تقدّم السياسة الأمريكية بشكل سلبي، لا سيما تغطيتها لحرب العراق.
د. روري ميلر: قطر عزّزت استقلالها السياسي والاقتصادي
قال الدكتور روري ميلر أستاذ الحكومة بجامعة جورجتاون في قطر: إنه لم يكن علينا أن نندهش لحصول الحصار على قطر، لوجود إرهاصات سبقتها، وظهور جيل جديد من القادة الشباب في السعودية ودول أخرى حاولوا استعراض عضلاتهم وتوسعة نفوذهم في قطر ودول الشرق الأوسط، عبر تحالفات مُختلفة وتهميش الغرماء، ومُحاولة اللجوء إلى العنف وأدوات أخرى.
ولفت إلى أن قطر أصبحت موضع هذه التغييرات، وهناك سياسات للتنمّر ضد قطر، مصداقاً لصراع بين دول كبرى ودول صغيرة، ودول الحصار لها مزايا مُرتبطة بالأراضي والقوى العسكرية والسكان، مُشيراً إلى أن قطر عزّزت استقلالها السياسي والاقتصادي.
وقال: إن قطر استطاعت تجاوز الصراع، بإحدى الاستجابات الأولى التي كانت مُرتبطة بمد جسور مع الولايات المتحدة وتركيا، وإن قطر استعملت قوتها الاقتصادية بنحو ذكي، رغم أنها ليست بثراء دول الحصار، ولكنها استخدمت مواردها على نحو حكيم، واستخدمت قطاع الطاقة ككيان يتجنّب التهميش والانعزال.
وتابع: عزّزت قطر هويتها الوطنية وناورت لتلعب دوراً أساسياً في اللحمة الاجتماعية التي تقف خلف القائد. كما عزّزت قطر قيمة التموقع طويل الأمد بخلاف القصير الأمد، وهذا نادراً ما تقوم به دول صغرى، فكان تفكير قطر استباقياً واستراتيجياً من خلال إبرام اتفاقيات نهاية التسعينيات، ولمّا بدأ الحصار أظهرت تلك الاتفاقيات المُوقعة نجاعتها.
وعلى الصعيد الأمني، أشار إلى تغيّر البنية الإقليمية الأمنية، وعدم قدرة الدول الخليجية للتصدي للتهديدات، وطفت على السطح تساؤلات حول كيفية توصّل هذه الدول إلى اتفاقيات لمواجهة التحديات التي هدّدت المنطقة.
وأوضح أنه رغم أن الدول الخليجية نجحت سابقاً في عدم عسكرة النزاعات لمدة أربعة عقود، ولكن، السياسيون اليوم في الرياض وأبو ظبي لم يلقوا بالاً لتلك الإنجازات، فكانت هناك مُجازفات عسكرية فاشلة.
وعن رهان البعض على دور أمريكي لحماية منطقة الخليج، نبّه د. ميلر إلى أن الولايات المتحدة ليس لها الشرعية والإرادة للعب دور لفرض الأمن في المنطقة. ومن هنا، تأتي اليوم مُطالبة واشنطن بوضع حد للحصار، والحديث عن نيتو عربي، ومُحاولة إيجاد بديل لمنظومة الخليج الدفاعية.
قال الدكتور سامي فرج المتخصّص في إدارة الأزمات والتخطيط الاستراتيجي في الكويت: إن الأزمة الخليجية ستستمر لأن مُعالجتها سياسية بحتة ولا تتعرّض للجوانب الاستراتيجية.
ودعا إلى ضرورة إلقاء الضوء على الأزمة الخليجية الراهنة من منظور ما هو الثابت والمتغير وهل ما يحدث حالياً هو الثابت؟ مؤكداً أن الأزمة الراهنة تبقى أمرًا متغيّرًا والعلاقة بين القوى الصاعدة في الخليج تتحاشى مصيدة وجوب الصراع.
وأوضح أن الكويت قامت بدور في الأزمة من منطلق استراتيجي ووضعت تصوّراً للأزمة في أكتوبر ٢٠١٧، وقلنا إن الأزمة سوف تستمر منذ عامين لجوانب إستراتيجية ومعايير متعدّدة.
وقال: نعيش حالة تطوّرت في مجلس التعاون، بإحساس دول بنشوة النصر في الربيع العربي وهو نصر هزيل، فقرر تشكيل حلف بأجندة تتجاوز الخليج والعالم العربي، ومنها تشكيل الناتو العربي الذي لا يدعمه اقتصاد ولا بنية ولا تخطيط استراتيجي، بل هو تخبّط استراتيجي.
وأشار إلى أن هناك نشوة لدى الأجهزة الاستخباراتية في هذه الدول وتعتقد أنها تستطيع التدخل في دول كبيرة مثل مصر وليبيا.
وشدّد على ضرورة الاهتمام بمعايير الربح والخسارة وجدوى الاستمرار على هذه الحالة أم البحث عن أمور أخرى لافتاً إلى المتغيّر السياسي والعسكري وأن المتغيّر الأكبر هو الصين وحضورها في المنطقة وتغييرها القواعد الاقتصادية في العالم.