أمر الله تعالى نبّيه محمدًا أن يبلغ قومه وأهله الدعوة إلى دين الإسلام، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم

أن يدعو قبيلته (بني هاشم ) أولاً، فجمعهم وكانوا حوالي أربعين رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصون

وفيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، وقد صنع لهم من أطايب الطعام فأكلوا من ذلك وشربوا. وبعد فراغهم تخيّر النبي صلى الله عليه وسلم كلمات مناسبة فقال:

الحمد لله أحمده وأستعينه، وأومن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له،

ثم قال صلى الله عليه وسلم: إن الرائد لا يكذب أهله، والله لو كذبت الناس ما كذبتكم ولو غررت الناس ما غررتكم، والله الذي لا إله إلا هو، إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبُنّ بما تعملون، وإنها للجنة أبدًا أو النار أبدًا.

فلما رأى فيهم استغراباً قال لهم : ما أريد منكم إلا كلمة تحكمون بها العرب وتسودون بها العجم.

فقال له أبو لهب: عشرٌ وأبيك.

فقال عليه الصلاة والسلام: لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله. وهنا صاح أبو لهب بصوت حادّ: هذه والله السوأة! خذوا على يديه قبل أن يأخذكم غيركم. وأخذ يحرّض الحاضرين عليه حتى رفضوا دعوة النبي الأمين.

وانصاع القوم لصياح أبي لهب وأعرضوا عن هذا الخير العميم الذي أراده لهم النبي صلى الله عليه وسلم.

وذهل النبي صلى الله عليه وسلم لما فعله عمه أبو لهب. لقد كان عمه أبو لهب على علاقة متينة به قبل ذلك، وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم أن أبا لهب لن يسكت عنه، وسيستخدم أسلحته كلها لمحاربته خاصة أنه من وجهاء القوم وأنه يتمتع بوجه يتلألأ حمرة وجمالاً، ولذلك لُقب أبو لهب رغم أن اسمه الحقيقي عبد العُزى بن عبد المطلب. وأشفق النبي صلى الله عليه وسلم على دعوته وعلى نفسه فإذا كان عمه وهو أقرب الأقربين إليه يقول له ذلك فما بال الآخرين ؟! لكنه فوض الأمر في النهاية إلى الله يفعل ما يشاء.

ثم إن أبا لهب انصرف عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ يدور على بني هاشم واحدًا واحدًا يؤلّبهم ويحرضهم على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبينما كان أبو لهب يفعل ذلك إذا بمنادٍ ينادي الناس للاجتماع بصوت منذر لهم وأخذ الناس يذهبون متجهين إلى المكان الذي يأتي منه الصوت وهو جبل الصفا. وجاء أبو لهب من ضمن قريش التي أتت عن بكرة أبيها، فوجدوا محمدًا صلى الله عليه وسلم واقفًا على هذا الجبل، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تُغيرَ عليكم أكنتم مصدقيّ؟ قالوا: نعم ما جربنا عليك كذباً. قال النبي صلى الله عليه وسلم : فإني نذير لكم بين يدَيْ عذاب شديد. فقال أبو لهب : تبّاً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا.

فأنزل الله في شأنه سورة المسد (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ . مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ . سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ…..)