هذا حاصل الشبهة وما قيل فيها، وردّنا عليها من وجوه، منها:
> أن المتأمّل في السياق القرآني الذي وردت فيه الآية يجد ما يدل دلالة واضحة على أن هذا الوصف الذي وُصِفت به مريم لم يكن تسمية قرآنية وإنما جاء وصفًا حكاه القرآن عن قوم مريم، وما خاطبوها ونادوها به عندما حملت بعيسى مستنكرين ذلك الحمل، واتهموها في عرضها وشرفها وعفافها.
وحكاية القرآن لأقوال أقوام آخرين أمر وارد ومعهود؛ فالله سبحانه نقل ما قالوا فحسب، وإلا فالواقع التاريخي غير ذلك.
على أن سياق الآية – وهذا هو الأهم – لم يرد في معرض ذكر نسب مريم؛ فالقرآن لم يقل: إن مريم أخت هارون، وإنما ورد في معرض التوبيخ لها؛ لأنها في اعتقاد اليهود حملت سفاحاً، فما علاقة النسب الحقيقي بالسفاح؟
وهنا ينبغي أن يثار سؤال: لماذا قال اليهود: (يا أخت هارون) ولم يقولوا: «يا أخت موسى وهارون» أو «يا أخت موسى»؟ لا شك أنهم لم يقولوا ذلك عبثاً، وإنما نسبوها إلى هارون؛ لأن هارون – بحسب زعمهم – كان مصدر عارٍ لهم، حيث صنع لهم عجلاً.
وأيضاً فإن مريم العذراء – بحسب زعمهم أيضاً – فعلت عاراً؛ لهذا تهكموا بها واستهزأوا منها قائلين: (يا أخت هارون)
ثم يقال أيضًا: إن هذه التسمية في حق مريم، إما إنها أطلقت في القرآن على سبيل الحقيقة، أو إنها أطلقت عليها على سبيل التشبيه.
وحمل التسمية (يا أخت هارون) على سبيل الحقيقة أمر غير مستنكر؛ إذ ليس ثمة ما يمنع أن يكون لمريم أخ اسمه هارون؛ يؤيد هذا أن التسمية ب (هارون) كانت شائعة ودارجة كثيرًا في بني إسرائيل، وأيضًا ليس في ذكر قصة ولادتها، ما يدل على أنه لم يكن لها أخ سواها. وعلى هذا، فالتعبير القرآني ب: (يا أخت هارون) يمكن حمله على الحقيقة، فيكون لمريم أخ اسمه هارون، كان صالحًا في قومه خاطبوها بالإضافة إليه زيادة في التوبيخ، أي: ما كان لأختِ مثلِه أن تفعل فعلتك.
وحمل هذه التسمية على التشبيه أمر وارد أيضاً وغير مستبعد، خصوصاً إذا علمنا أن التسمية بأسماء الآباء والأمهات تشريفاً بهم شيء معروف، ولا سيما أن هارون كان سيد قومه مُهاباً عظيماً له شأن في بني إسرائيل.