شدة تعلّق المسلمين بالقرآن الكريم والمُواظبة على قراءته في هذا الشهر الكريم خاصة، لا يحتاج إلى إثبات، سوى نظرة إلى المُصلّين وروّاد المساجد قبل وبعد أي صلاة في رمضان لترى أفراد تلك الجموع مُتناثرة في المساجد وبيدها المصحف الكريم، هذا التعلّق بالقرآن يتمثل في ذلك الرابط الروحاني الخفي في ترابط الحدثين، حيث يقول الله تعالى في كتابه الكريم «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ» (البقرة 185)، تشعر بأن هناك حالة من الجذب غير اعتيادية، فحتى من يهجر القرآن طول أيام السنة تراه مُمسكاً به في رمضان وكأن بينهما علاقة حُب وود قديمة، وهي أشياء من علم الغيب، ولكن يكفينا الظاهر منها، وهو تلك الراحة التي تضفيها كلمات القرآن الكريم على القارئ والسامع، وهناك الكثير ممن يبدأ تعلّقهم بالقرآن من هذا الشهر الفضيل، خاصة من يقرأه بتدبّر في المعاني ويُسبر أغوار الحكمة التي تحويها تلك الكلمات، فالمُحب للأدب والبلاغة يرى مُعجزات أدبية ولغوية، والمفتون بالعلوم التطبيقية يرى مُعجزات علمية لم يفطن لها البشر إلا حديثاً، وعالم الاجتماع يرى حلولاً مُتناسقة ومُترابطة لمجتمع فاضل، وعالم الفلك والنجوم ينبهر بدقة الوصف للسماء وما فيها، وغير ذلك كثير لا يُمكن حصره، ولم يتحدى إنسان هذا الكتاب في نقص أو علة إلا وجد نفسه عاجزاً عن مُواصلة التحدي. الآن في هذا الشهر الكريم وقت لمن أراد أن يُغيّر حياته إلى حياة إيجابية بمعنى الكلمة باستمرار القراءة ولو لصفحة واحدة في كل يوم حتى بعد رمضان، وانظر بعد ذلك لمستوى الراحة التي ستشعر بها والخير الذي ستجده، وهذا من واقع تجربة.
kmubarake@