بقلم : فادي محمد الدحدوح ..
مع تقدم المجتمعات وتسارع الأحداث، والتوجه الهائل نحو استغلال الثروات وبناء حضارة إنسانية متينة متضامنة لفائدة البشرية جمعاء، يعد الشباب نبض الحدث وقلب المجتمعات النابضة بالحياة للتوجه نحو مستقبل أفضل، إنهم العنصر الأكثر فاعلية وأهمية في عملية التخطيط لمستقبل الأمم الطامحة نحو فجر مشرق وبناء السلام الداخلي والخارجي.
لكن الخلل الفكري الذي يجتاح العالم اليوم، ويجد من يتقبله ويعتنقه ويتأثر به، إنما يعزى ذلك إلى ضعف التنشئة، والجري غير العقلاني وراء الأهواء، والركض خلف الإثارة على حساب الحقائق العلمية، ولأجل ذلك أصاب الجو الفكري بعض الملوثات الخطيرة تماماً كما يتلوث الماء والهواء بما يفسد الصحة.
إن شبابنا العربي يسير متفاعلاً مع مجريات الحياة من حوله؛ ولذلك فإن دوره يؤثر في هذه المجريات ويتأثر بها بما قد ينعكس على سلوكه وأخلاقياته وطبيعة علاقاته الاجتماعية وانتماءاته المختلفة.
كذلك، فإن المجتمع العربي يتميز بالكثافة الشبابية في بنائه الديموغرافي، وإذا ما استطاع أن يوظف قوة الشباب بشكل ملائم وفعال، ويستثمر طاقاتها على نحو سليم؛ كانت هذه القوة إيجابية وبناءة، واستطاعت أن تمارس أمورها بشكل صحيح مما يؤدي إلى ريادة المجتمع والنهوض والسير به نحو مستقبل أكثر رفاهية واستقراراً ينعم بوافر الهدوء والأمن والسلام الداخلي. أما إذا فشل المجتمع في استيعاب قوة شبابه وإمكاناته التي لا حدود لها فإنه يصبح مهدداً بالعديد من الظواهر التي تهدد أمنه واستقراره وتعوقه عن التنمية هذا فضلاً عن احتمالية أن يصاب المجتمع بالفوضى وتتبدد طاقاته في التصدي للعديد من الظواهر السلوكية المرضية التي قد تشيع في بنائه الاجتماعي بعامة وفي طليعته الشبابية بخاصة.
الإرهاب، التطرف الفكري، الإنحراف الفكري، وغيرها ظواهر تعبر عن السلوك المشوب بالقسوة والعدوان والقهر والإكراه، بعيداً عن التحضر والتمدن، تستثمر فيه الدوافع والطاقات العدوانية استثماراً صريحاً بدائياً، كالضرب والتقتيل والتكسير والتدمير للممتلكات، واستخدام القوة لإكراه الخصم وقهره. ويمكن أن يكون فردياً أو جماعياً أو عن هيئة تستخدم جماعات كبيرة كما يحدث في التظاهرات.
ويمكنني القول إن السلوك المنحرف الذي يوجه الأفراد نحو التطرف وممارسة الإرهاب في حالة توافر أرضية فكرية خصبة تبرر أنماط السلوك التدميري، وقابلية الإيحاء لتقبل الأفكار وتنفيذها على أرض الواقع، والفرصة السانحة لتحول مشاعر سالبة إلى أنماط سلوكية على أرض الواقع، والتطرف على المستويات الثلاثة.
فالانحراف الفكري والتطرف هو أصل الإرهاب، لكن هذا العدوان له تربته الخاصة المتمثلة بالأمراض الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة كالفقر والاستغلال والهيمنة الثقافية التي تقدح شرارة العدوان وبالتالي الإرهاب. فالإرهاب يتحرك ضمن خلفية واسعة، حافزة على الإرهاب وسط هذه التناقضات والصراعات. فالإرهاب يبدأ حينما يعجز العقل عن اللجوء إلى أساليب منطقية في التفاهم والتحاور مع الطرف الآخر.
ويعد الانحراف الفكري والتطرف مخالفاً وخارجاً عن الدين الإسلامي في عقيدته الصحيحة وشريعته السمحة وتعاليمه السامية وأخلاقه الفاضلة، بل طعن لمبادئ الأمة وخلخلة لصفوفها، وتشتيت لجهودها وقدراتها، وتشويه لصورة الإسلام والمسلمين.