المنتدى

مسؤوليات قمم مكة القادمة

بقلم : د. علي محمد فخرو (كاتب ومفكر بحريني) ..

الدّعوة لعقد اجتماعات طارئة متوالية لرؤساء دول مجلس التعاون الخليجي، ورؤساء دول الوطن العربي، ورؤساء الدول الإسلامية، تمثّل بادرة إقليمية عربية وإسلامية لمواجهة أخطار تحيق في اللحظة الحالية بمنطقة الخليج العربي وما يحيط به من دول عربية وإسلامية. وكان الكثيرون في الماضي القريب قد كتبوا عن أهمية تلك اللّقاءات للقمم العربية والإسلامية، للنظّر في مواجهة مختلف الصّراعات والكوارث التي حلّت بعموم الوطن العربي، بدرجات متفاوته، وكذلك ببعض دول الإسلام.

وكانت فاجعة مأساوية عبثية بقاء تلك القمم متفرّجة على الحرائق المشتعلة في بلدان من مثل سوريا والعراق وفلسطين واليمن وليبيا، على سبيل المثال، دون أن تكون لها كلمة ويكون لها موقف، بل زاد الطين بلّة أنها تركت أمور التعامل مع تلك الحرائق للدول الإمبريالية الطامعة في ثروات بلاد العرب والراغبة في تدميرها وإنهاك كل قواها، أو للمؤسسات الدولية المشلولة العاجزة عن الفعل المؤثّر.

اليوم، وقد أقدمت المملكة العربية السعودية على تلك الخطوة الجريئة يحق لنا أن نطالب بإبعادها عن العثرات وتجنيبها أن تنقلب إلى ضجّة مظهرية وتمنيات لاصلة لها بالواقع العربي والإسلامي، ولاقدرة على المواجهة وإخراجه من الجحيم الذي يعيشه.

أولاً: من الضروري أن لا تخضع المناقشات والقرارات لأية إملاءات من الدوائر الغربية، وعلى الأخص الأمريكية، ولا لأية توجيهات من القوى الصهيونية العالمية.

لقد آن الأوان أن تحترم تلك القمم نفسها واستقلاليتها الحقيقية وقدرتها على الفعل دون وصاية من أحد.

ثانياَ: ستكون أهمية تلك الاجتماعات باهتة ومحدودة لو اقتصرت مناقشاتها وقراراتها على مواجهة نذر الحرب المجنونة في الخليج العربي فقط. ذلك أن الوضع في الخليج هو جزء من مؤامرة كونية تمتدُّ عبر الوطن العربي كلّه وكثير من دول الإسلام.

وإنه لمن المؤكدّ أن اليمين الصهيوني المتطرف يدفع، بقوة وصلافة، لكي يتبنّي صقور الحرب في واشنطن منطقهم السياسي والأمني والديني الخرافي ليجعلوا من أمريكا دولة وظيفية في خدمة الصهيونية العالمية الساعية لإضعاف وإنهاك، إن لم يكن لتدمير، الوطن العربي برمّته من خلال إدخاله في عدد هائل من الصّراعات فيما بين مكوناته من جهة، وفيما بينه وبين دول الجوار من جهة ثانية. وإن مقارنة بين ما يقوله ويكتبه يوميا الرئيس الأمريكي ومساعدوه من صقور الحرب المجانين وبين مايقوله رئيس وزراء الكيان الصهيوني ومؤيدوه من مجانين الصهيونية الأصولية الإجرامية في فلسطين المحتلّة لكافية لتظهر حجم المؤامرة والنيران التي سيكون حطبها دول الخليج العربية وإيران، بل والمشرق العربي برمّته.

ثالثا: من هنا أهمية وصول القمم الثلاث إلى الإعلان عن أهداف عربية وإسلامية كبرى وإلى البدء بإيجاد أدوات سياسية وأمنية لتحقيق تلك الأهداف في الحال، وعلى المدى البعيد أيضًا. إن البقاء بعيدًا عما يجري في الأرض العربية، وفي بعض الدول الإسلامية، من مثل إيران وتركيا وباكستان وأفغانستان، واقتصار المداولات على قضايا منتقاة تهمّ هذه الجهة أو تلك لن يؤثّر في الواقع العربي والإسلامي الذي يقترب من النكبات التاريخية الكبرى.

رابعًا: ولكبر حجم المشاكل المراد مواجهتها وتعقيداتها وترابطاتها الدولية فإن الأمل هو أن يتخذ قرار بعقد اجتماعين سنويين، خلال الفترة الحالية، لتلك القمم لإجراء التقييم المستمر ومتابعة التطورات المتلاحقة، وقرارات لتفعيل المؤسسات الإقليمية المشتركة من مثل مجلس التعاون والجامعة العربية والرابطة الإسلامية لتستطيع القيام بأدوارها المطلوبة منها، بدلاً من شللها الحالي وغفوة الموت التي تحياها في الفترة الحالية الحرجة.

خامساً: ولوجود تصميم أمريكي وصهيوني دولي لتصفية القضية الفلسطينية لصالح الاحتلال الصهيوني، وعلى حساب الشعب العربي الفلسطيني، وتجرُّؤ تلك الجهات على تقديم صفقات مشبوهة تحت شتّى المسّميات، فإن الشعب العربي، الذي يعتبر الموضوع الفلسطيني والصّراع العربي- الصهيوني في قمة أولوياته، ينتظر أن تقف القمم الثلاث موقفًا واحدًا تجاه رفض قاطع لما يعرف «بصفقة القرن» الأمريكية الصهيونية والتأكيد على أن حقوق الشعب العربي الفلسطيني في وطنه ورجوع لاجئيه إلى أرضهم وبيوتهم أمر غير قابل للبيع والشراء ولا لبهلوانيات صهرالرئيس الأمريكي الساذجة.

لقد تعبت الشعوب العربية والإسلامية من رؤية الضّعف والهوان الذي تميزت بها اجتماعات تلك القمم في السابق، وسنة بعد سنة تتجذّر في نفوس أفرادها مشاعر الخذلان والعار واليأس، فهل لنا في هذه المرة أن نرى بصيص أمل يشير إلى مستقبل أفضل وأكثر إشراقا؟ نحن بانتظار اجتماعات مكة، وعليها أن تعرف أن التاريخ لن يرحمها إن تعثّرت مرة أخرى.               

العلامات
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X