في حكاية قديمة، ردّدها الرواة في المقاهي والمجالس المفتوحة، وربّما حكتها الجدات للصغار .. كانت هناك حكمة عظيمة تعلمناها، وفهمناها منذ أوّل مرّة عرفنا فيها الحكاية ..

والحكاية تحكي عن بلدة كبيرة، وافرة الخير والغلال، لديها سدّ كبير مقام على نهرها العظيم، ليمنع الفيضانات المدمرة من الوصول للمدينة الجميلة ..

وكان هناك فلاح فقير، يسقي أرضه مما يجود به عليه المولى من مياه النهر..

وذات يوم، لاحظ الفلاح تسرُّب بعض الماء من إحدى الجهات في السد.. فسارع إلى إبلاغ السلطات المعنية بالأمر، لكنهم سخروا منه، وطردوه، لأن ذلك السد العظيم لا يمكن لأي قوة أن تدمره ..

وبعد أيام عاد الفلاح ليلاحظ زيادة انسياب الماء من ذلك الجانب، فصعد بنفسه إلى الأعلى، حيث أمكنه ملاحظة فتحة صغيرة في جدار السد، حدثت نتيجة تدحرج إحدى الصخور الصغيرة، والتي يتكوّن منها جدار السد ..

فعاد من جديد إلى السلطات لإبلاغها بالأمر، ولكن حدث معه ما حدث في المرة التالية ..

فقرّر أن يحاول هو إصلاح السد بنفسه، إلا أن المسافة بينه وبين مكان الصخرة طويلة، ومهما حاول التسلّق، فلن يستطيع وحده إصلاح الضرر..

بعد فترة قصيرة، بدأت المياه تتدفّق بقوّة أكثر من السابق، فلم تعد مجرّد صخرة صغيرة تزحزحت من مكانها، بل هو شرخ طويل في الجدار، بدأ يتسرّب منه الماء ليغطّي الأراضي القريبة ..

فما كان من الفلاح إلا أن حمل أسرته وبعضاً من حاجياته، بعد أن أخبر أهل القرية بالأمر، والذين تجاهلوه كما تجاهله الآخرون..

لم تمضِ إلا أيامٌ قليلةٌ حتى بدأ السد يتهاوى عبر كتل ضخمة من الصخور، بدأت تدمر الحقول والبيوت القريبة، فمنهم من استطاع النجاة والفرار، ومنها من سحبه القدر مع المياه والطين والحجارة الكبيرة إلى النهاية..

واستيقظت المدينة فجأة على أصوات الدمار الكبير، الذي تعدّى الحقول إلى البيوت الجميلة والقصور، ولم تستطع حتى أعلى الأبراج والقلاع إنقاذ تلك المدينة الجميلة من الدمار والغرق تحت المياه والأحجار ..

ولم يستطع المسؤولون عن السد العظيم وصيانته، حتى من عض أصابع الندم على سخريتهم واستهزائهم من الفلاح المعدم الفقير.. حيث سبقهم الفيضان وساقهم معه كما ساق الجميع..

هنا تنتهي حكاية الصخرة الصغيرة والسد الكبير، والتي نخرج منها بحكم بالغة الأهمية، وعظات كثيرة، يمكنها أن تحتل عناوين كثيرة لدروس وعبر، يسترشد بها الباحثون عن الحكمة والحقيقة، ويتعلّم منها الكبار قبل الصغار عدم الاستهانة بأيّ أمر مهما صغر..

فصخرة صغيرة قد دمرت ممالك بأكملها، وقضت على تواريخ وأمم كثيرة..

ونملة ضئيلة، تمكنت من إبعاد جيش عظيم مكوّن من أضخم المردة والجان والشياطين والحيوانات المفترسة، و ربما تكون هناك كذبة صغيرة أشعلت حروباً ومعارك دامية.

وعلينا ألا نغفل عن أصغر الملاحظات والاختلافات في كل شيء وكل ما أمامنا، فربما تكون بداية لزلازل رهيبة، أو براكين حارقة، وكما تقول الأمثال القديمة «معظم النار من مستصغر الشرر» ….

حفظنا الله وإياكم من مستصغر السوء والشر، وأدام علينا نعمة الأمن والمحبة..

[email protected]