يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الإسراء “وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا” وفي سورة الأنعام يقول عز من قائل: “وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ “،”وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ”. ويعني بقوله “خَشْيَةَ إمْلاقٍ” خوف إقتار وفقر، وإنما قال جلّ ثناؤه ذلك للعرب، لأنهم كانوا يقتلون الإناث من أولادهم خوف العَيْلة على أنفسهم بالإنفاق عليهن. وعن قتادة، قال “ وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ”: أي خشية الفاقة، وقد كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الفاقة، فوعظهم الله في ذلك، وأخبرهم أن رزقهم ورزق أولادهم على الله، فقال “نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا”.
فما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى: “وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ” وقوله “وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ”؟ يقول د. فاضل السامرائي: في الآية الأولى في سورة الإسراء الأهل ليسوا فقراء أصلاً وعندهم ما يكفيهم ولا يخشون الفقر ولكنهم يخشون الفقر في المستقبل إذا أنجبوا بأن يأخذ المولود جزءاً من رزقهم ويصبح الرزق لا يكفيهم هم وأولادهم ويصبحوا فقراء فخاطبهم الله تعالى بقوله “نحن نرزقهم وإياكم” ليطمئنهم على رزقهم أولاً ثم رزق أولادهم ولهذا قدّم الله تعالى رزقهم على إياكم لأنه تعالى يرزق المولود غير رزق الأهل ولا يأخذ أحد من رزق الآخر وأن الأولاد لن يشاركوهم في رزقهم وإنما رزقهم معهم.. أما في الآية الثانية فهم فقراء في الأصل وهمّهم أن يبحثوا عن طعامهم أولاً ثم طعام من سيأتيهم من أولاد، فالله تعالى يطمئن الأهل أنه سيرزقهم هم أولاً ثم يرزق أولادهم فإن الأهل لهم رزقهم والأولاد لهم رزقهم أيضاً.
> ما البلاغة في استخدام القرآن لكلمة الإملاق؟ يقول د. محمد صافي المستغانمي: الإملاق أشد الفقر، وأنا من أنصار أنه لا يوجد مترادفات في القرآن، ولكن كل لفظة في محلها بدقة متناهية فعندما يقول تعالى مرة “فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً” البقرة. ومرة “فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا” الأعراف. لو كان الانفجار عين الانبجاس فلماذا هذا التنويع؟ هنا معنى وهنا معنى. بالطبع توجد فوارق دلالية، لكن المعنى العام مثل الإملاق، الفقر، العوز، المعدم، الحاجة، المسغبة كلها من عائلة واحدة لكن كل كلمة تستعمل في سياقها والبليغ الفصيح من يحسن استعمالها ونحن نؤيد هذا المعنى لأن القرآن الكريم يستعمل من الألفاظ ما يتناسب مع المعاني المطروحة. العرب ليس عندهم ترادف وربما دخل من لهجات أخرى مثل المُدية والسكين، والسيف والمهنّد والصارم لكن بعضهم يقول هي أسماء، وأبو عبدالله الفارسي يقول هي صفات ولا أعرف للسيف إلا اسماً واحداً. الإملاق هو أشد الفقر حتى في أشد الفقر نحن نرزقكم وإياهم ، فالإملاق أشد الفقر.