بقلم : ياسين التميمي ..
تشارف السنة الخامسة من الحرب التي تقودها السعودية في اليمن على الانتهاء، والرئيس عبد ربه منصور هادي لا يزال يواظب على صلاة عيدي الفطر والأضحى في مصلى بالرياض، في دلالة واضحة على أن هذه الحرب فشلت حتى الآن في تحقيق الهدف الأول من أهدافها على الساحة اليمنية.
غياب الرئيس عن الوطن يعني غياب الدولة، وهذا يضاعف من إحباط اليمنيين ويطيل أمد مأساتهم، التي تمثل الحرب أحد صورها، فيما تتعاظم التحديات التي تحيط باليمن، بسبب هذه الحرب وبسبب المؤامرات التي تدبرها أطراف عديدة؛ أكثرها شراً الإمارات العربية المتحدة، ممثلة في أبو ظبي ورجلها النافذ محمد بن زايد، الذي يبدو أنه نجح في احتواء المملكة العربية السعودية وحرف مهمتها في اليمن، وهو عملياً من يمنع استعادة نفوذ الدولة اليمنية ويحول دون ممارساتها ولايتها في المناطق التي تسمى «محررة».
نحن إذاً أمام عيد آخر بلا بهجة، يعود على اليمن وسط الحالة ذاتها من العنف والمواجهات المسلحة، والأخطر من ذلك كله الانقسام الذي بدأ يتكرس على المستويين الرأسي والأفقي، حيث تترسخ دولتان تابعتان على الجغرافيا اليمنية، وتفرضان منظورهما الديني والعقائدي أكثر من أي وقت مضى، فيما يبقى إرث التطرف الوهابي كامناً وعلى استعداد لإفساد أكثر اللحظات جمالاً وسط هذا الخراب، كما رأينا بالنسبة للفيلم اليمني «عشرة أيام قبل الزفة».
الطائرات تحلق باستمرار في سماء اليمن، واختارت أيام العيد لتوجيه ضربات على مواقع تابعة للميليشيا في صنعاء يقول تحالف الرياض- أبو ظبي أنها أهداف عسكرية، والنتيجة أن صنعاء لم تهنأ بعيدها المتأخر أصلاً، فيما تعيش مناطق المواجهات في وسط البلاد وشمالها حرباً متقطعة، لكنها مؤلمة بالنسبة لسكان هذه المناطق التي تعاني من حروب الكر والفر التي تجري منذ سنوات دون حسم.
إنها الحالة الأشد بؤساً التي تتكثف في بلدنا من جراء تعاضد عوامل عديدة؛ أهمها: استمرار الحرب دون حسم وما ينجم عن هذه الحرب من عدم استقرار، واتساع نطاق الفقر وفوضى السلاح والميليشيات التي ترتهن لأجندات إقليمية، إلى الحد الذي يضيع معها اليمن وقضاياه وأولوياته، حيث تستمر التشكيلات المسلحة التي أنشأتها الإمارات في المحافظات الجنوبية في نشر الفوضى والعنف والقتل، وسط حديث لا ينتهي عن الدولة الجنوبية التي ستحمل اسماً فضفاضاً هو «الجنوب العربي»، وبما يتفق مع مخطط إماراتي واضح للنيل من الهوية اليمنية الأصيلة.
لا تزال أبو ظبي تتصرف في الجنوب على أنه منطقة مستباحة، لهذا تحرص كثيراً على تشجيع فصائلها المسلحة على التصعيد ضد كل من له علاقة بالدولة اليمنية والهوية اليمنية من رموز وأشخاص ونفوذ، والعمل بكل السبل الممكنة من أجل التملص من هذه الهوية. بل تدفع أبوظبي بعملائها إلى تبني مشروع الاستفتاء على الانفصال؛ الذي قال أحد الناشطين السابقين في المجلس الانتقالي إنه يمهد في الأساس لمنح المشروعية لاستفتاء تحتاجه الإمارات بشكل ملحّ، ويهدف إلى تمكينها من الاستفراد بمحافظة أرخبيل سقطرى الواقع على المحيط الهندي، بناء على استفتاء تعد له بكل الطرق الممكنة، لكنه لن ينجز إلا إذا نجحت في دفع الجنوب إلى تبني خيار الاستفتاء على الانفصال، لكي تستخدم السلاح نفسه في سلخ سقطرى عن التراب اليمني.
وفي هذه الأثناء، يخوض محافظ أرخبيل سقطر رمزي محروس معركة لم تتوقف مع النفوذ الإماراتي، آخر جولاتها منعه جنوداً ينتمون للحزام الأمني المدعوم من الإمارات من مغادرة سقطرى باتجاه عدن، وقبل ذلك منع سفينة إماراتية من إنزال معدات عسكرية كانت الإمارات قد جهزتها لكتيبة الحزام الأمني التي دربتها، وعادت إلى سقطرى قبل نحو شهر تقريباً.
هذه المرة ثمة دعم سعودي لتحركات المحافظ، على نحو يعكس تنامي الصراع غير المعلن بين الرياض وأبو ظبي على النفوذ في الساحة اليمنية، أساسه مخاوف السعودية من استمرار الإمارات في فرض أجندتها التي تأخذ حرب السعودية في اليمن بعيداً جداً عن أهدافها، بل وتؤثر عليها بشكل كبير جداً، ذلك أن المضي في تقسيم البلاد سيكرس من نفوذ الحوثيين، وهي نهاية مزعجة وخطيرة جداً للحرب بالنسبة للرياض.
لكن يبدو أننا سننتظر مزيداً من الوقت قبل أن نرى تحولاً جوهرياً في أداء السعودية، بعيداً عن الأجندة الإماراتية التي تنال من السعودية ومكانتها الإقليمية، بالقدر ذاته الذي تحدثه الصواريخ والطائرات المسيرة التي يطلقها الحوثيون ؛ باتجاه العمق السعودي.
نقلاً عن موقع «عربي 21»