بقلم – محمد الشبراوي
قد تعصف بك المشكلات من حينٍ لآخر، تتوتر العلاقات بأقرب الناس إليك؛ فتمرُّ اللحظة الواحدة كالسنوات العِجاف، يخيِّمُ اليأسُ والإحباط! تنقشع الغُمَّة بعد حين انقشاع سحابة الصيف، لكنها سرقت معها لحظاتٍ تقلَّبت فيها على جمر الألم والمعاناة، قد تعود المياه لجريانها، إلا أن طعمها في الجوف تغيَّر؛ اختلف عن مذاق الأمس، لم يعد الماء القراح!.
إن معايشة المشكلة بأدق تفاصيلها أدعى لزيادة الهموم، وباعثٌ على اجترار الأزمات في استكانة، ما يؤثر في النفس تأثير الصدأ في الحديد، والوقوع في مشكلةٍ ما – في أي جانبٍ من جوانب الحياة – ليس نهاية العالم، قد تكتب بيدك نهاية عالمك إن أوقفت نفسك على تلك المشكلة، ولعلَّ البعض يستغرق في تأمُّل سقوط الآخرين من قمة الجبل دون أن ينتبه ليدرك بؤرة المشكلة.
كتب هيمنغوي عن الشجاعة والكفاح والصمود، ثم – واعجب معي- أطلق على رأسه النار! ديل كارنيجي الذي كتب أفضل كتب التنمية البشرية مطلع القرن المنصرم، وذاع صيتُ كتابه «دع القلق وابدأ الحياة»، وكتب على غِراره الشيخ محمد الغزالي كتابه «جدد حياتك»، واستسلم ديل! ربما لأن هيمنغوي وكارنيجي انغمسا في المشكلات بكل جوارحهما، وقد يستغرق المرء في إنقاذ من حوله، بينما يعمى عما هو فيه من مآزق! وفي ذلك سئل حكيم: ما أصعب الأشياء؟ فقال: معرفة المرء عيب نفسه، وهذا نوستراداموس يتنبَّأ لسكرتيرته أن تموت بعد ليلةٍ واحدة؛ فإذا به يموت بينما تتندَّرُ هي عليه! أن يغرق الإنسان حتى أذنيه في مشكلة تطرق بابه، يُفسِد عقل المرء وحياته؛ فلا بُدَّ من تنحية المشكلة جانباً للتفكُّر في أنجع طرق الحل، كما نترك الطعام ليبرد قبل تناوله.
تعد قدرتك على تحجيم المشكلة شعرةً تفصل بين الاكتئاب والأمن النفسي، ما يمنع مشكلة العمل أن تصحبك إلى البيت، فتُنغِّص على أهلك وأولادك صفو عيشهم.، ثق أن المشكلة مؤقتة وأنها ستُحل، ليفتح المجال أمامك لتقبُّل وجودها المؤقت، واستثمرها في تعديل مسارك وتصحيح الهفوات المسببة لظهورها، وقد سئل حكيم: من الذي لا يُخطئ؟ قال: الذي لا يموت؛ فالخطأ وارد، والمشكلات على اختلاف أنواعها لا عصمة منها؛ فالأحرى أن نتعامل مع المشكلة بقدرٍ من الحكمة والأمل. بعد نكبة يونيو 1967 توقف سعد الله ونوس عن إنتاجه الأدبي والمسرحي عاماً بأكمله، وفقد الجواهري زوجه فأمسك عن الشعر عاماً بطوله؛ ثم عادا للإبداع من جديد وقدما أعمالاً خالدة. عندما نلمح فجر الأمل بين براثن المشكلة، يهون علينا ما يجيش بخواطرنا من لحظات المعاناة والألم، ولأننا نثق في أن غداً يحملُ حياةً جديدة، وآمالاً عريضة لم تتهيَّأ لنا اليوم؛ فإننا نصيح من أعماقنا «غداً تشرق الشمس»، وعندها تتبدد أحزاننا ونطلق ضحكاتنا العذبة، ومعها تنطلق سعادتنا في دربٍ جديد.
الوقوع في حبائل الاكتئاب والقلق يطول المشاهير والشخصيات العامة كما البسطاء؛ فلا علاقة للمال بالأمر وهذا ملمحٌ مهم؛ إذ إن جرعة الأمل لا تتطلب رقماً صعباً، الأملُ يتألق في ضحكة طفل، ويأتلق في إدخال السرور على الأهل والأصدقاء، ويطل بثوبه القشيب عند مساعدة المحتاجين.
الأمل بستانٌ وارف الظلال، ودواءٌ مجاني لكثير من أدْواءِ العصر؛ الأمل دفع إبراهيم المصري لبيع أثاث بيته ومكتبته ذات الأربعة آلاف كتاب؛ ليقاوم المرض ويكتب، وليصبح رائد القصة النفسية، ويبدع في «خبز الأقوياء»، «في موكب العظماء»، و»الوعي والوجود» وغيرها.
الأمل سلاحك؛ فلا تطرحه عنك جانباً، واحرص أن تنثر بذوره في النفوس، لعلك تنتشلها من اليأس، وابتسم فغداً تشرق الشَّمس.