
بقلم – طـــه خـلـيفـة
انسحب الرئيس الأمريكي ترامب من الاتفاق النووي الإيراني 8 مايو 2018 تنفيذاً لتعهده خلال حملته للانتخابات الرئاسيّة، وبعد 14 شهراً فإن القرار لم يكن صائباً، ولم يدفع طهران لإبرام اتفاق جديد أكثر شمولاً كما يرغب ترامب ومن يدعمه من التيار المحافظ واللوبي الصهيوني، وهم يريدون التصعيد لأهداف منها:
ابتزاز السعودية بالورقة الإيرانيّة، ومواصلة سحب الأموال منها، وإجبارها على عقد صفقات السلاح الضخمة لتنشيط المجمع الصناعي الأمريكي.
وتدعيم دور إسرائيل، وتعظيم قوتها في المنطقة، وقلب المعادلات السياسيّة فبدلاً من أن تكون عدواً، أو كيان احتلال لفلسطين والأراضي العربية، تصبح صديقاً أو حليفاً، وتحلّ محلها إيران في خانة العداء للعرب.
وهذان الهدفان يتحققان حالياً، فالخزينة الأمريكية تتلقى أموال الشعب السعودي دون توقّف، وبسخاء نادر، وصفقات السلاح ضخمة جداً، فالمملكة ثاني أو ثالث أكبر مستورد للسلاح في العالم، وتحظى أمريكا بالجانب الأكبر من هذه الكعكة، والعلاقات بين بلدان خليجية وعربية، خاصة السعودية والإمارات والبحرين، لم تعد سريّة أو يشوبها الخجل، وباتت إسرائيل بالنسبة لهم أقرب إلى حليف بشأن ما يعتبرونه خطراً إيرانياً!.
فكرة الحرب ليست واردة في عقل ترامب، فهو يسعى من وراء الفزاعة الإيرانية إلى حلب الرياض، وصنع عدو لإشغال خصومه الديمقراطيين، وحشد الداخل الأمريكي وراءه باعتباره يواجه أعداء بلاده ومصالحها وحلفائها في الخارج.
السعودية تريد أن يشنّ ترامب حرباً على إيران لتعجيزها باستهداف مفاصلها الحساسة، ومراكز قوتها الحيوية من منشآت نووية وعسكرية تقليدية ضمنها مراكز تصنيع الصواريخ البالستية، لكن التاجر الأمريكي يخذل حليفه رغم الفوائد التي يجنيها من ورائه.
والرياض تدرك ألا قدرة لها على مواجهة مباشرة مع طهران، موازين القوى ليست في صالحها، لهذا تعتمد على أمريكا وتدفع أثماناً باهظة من المال والمواقف السياسية والقرارات المتعلقة بالطاقة وضخ النفط في الأسواق، تقريباً السعودية مرتهنة للسياسة الأمريكية، وانفتاحها على إسرائيل ومعها توابعها الخليجيون فيما يشبه الانقلاب على سياساتهم السابقة هو جزء من رضوخهم لتعليمات ترامب وإدارته.
إيران لا تشتري حماية من طرف دولي قوي مثل روسيا أو الصين، كما تفعل السعودية مع الأمريكان والغرب، إنما تتولى الدفاع عن نفسها بقدراتها الذاتيّة، ورغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة والحالة المعيشية المتدنية لشعبها بسبب العقوبات وتكلفة التمدّد في بلدان عربية ودعم أذرع وجماعات سياسية وعسكرية إلا أنها نجحت في صنع قوة ردع لدرء أي خطر أمريكي أو إسرائيلي.
وبالنسبة للخليج فإن الثلاثي؛ السعودي والإماراتي والبحريني، لا طاقة لهم مجتمعين على منازلة إيران، والدول الثلاث الأخرى: قطر وعُمان والكويت هي الأكثر عقلاً وحكمة ومسؤولية في الملف الإيراني حيث يدعون للحوار لحل الإشكالات مع دولة كبرى جارة ومسلمة. إيران لديها طموح نووي، وربما لا تخطط لصنع القنبلة، لكن مجرد امتلاكها القدرة على صنعها هو تدعيم لقوتها، ولديها برنامج أسلحة بالستية وتقليدية متطورة، وميزة الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015 أنه نجح في فرض رقابة دوليّة على برنامجها، وحدد سقف طموحها، ولم يعد بوسعها العمل فيه سراً، وبموجبه تم رفع العقوبات عنها، وكانت تتجه لتطوير اقتصادها ومشروعاتها النفطية والتنموية وفتح المجال للاستثمار الخارجي، وهذا المناخ كان سيغريها على الاندماج في العالم، وضمنه الإقليم الذي تقع فيه، ويغيّر من سياساتها، والنقاش حول برنامج الصواريخ كان ممكناً فيما لو لم ينسحب ترامب من الاتفاق ويُصّعد ويعيد فرض العقوبات ثم يضيف عقوبات جديدة تشمل المرشد نفسه.
ماذا كانت النتيجة؟. سياسات ترامب حوّلت الخليج إلى ساحة مشتعلة، وزادت المخاوف من نشوب حرب مدمّرة حتى لو كانت مستبعدة، وإسقاط طائرة التجسس الأمريكية، وما أعقبها من استنفار كان بروفة لحرب شعواء.ومن شأن انسحاب ترامب أن طهران لم تجد من أطراف الاتفاق الأخرى المتمسّكة به وهي: روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بجانب الاتحاد الأوروبي، الحماية لاقتصادها من أثر العقوبات التي أعادت واشنطن فرضها، وقد انتهت المهلة التي حددتها لهذه البلدان للتدخل لعدم تعريض اقتصادها لأزمات إضافيّة مقابل تمسكها ببنود الاتفاق، وإلا فإنها ستتخلى عن بندين فيه هما: ألا يزيد تخصيب اليورانيوم على 300 كيلوجرام، وعدم رفع نسبة التخصيب أكثر من 3.67%.
والحاصل اليوم أن التخصيب تجاوز الحد المسموح به لأن الأسواق مقفلة أمام بيع الزائد على الحد حسب الاتفاق، ومفاعل آراك سيستأنف العمل، وسترتفع نسبة تخصيب اليورانيوم.
هل كانت إيران ستقف مكتوفة الأيدي؟. بالطبع لا، فالمتوقع أن تستثمر ما لديها من أوراق للضغط وللدفاع عن نفسها وتحقيق أي مكاسب لتخفيف ضائقتها، إذ يصعب أن تُفرض عليها عقوبات أمريكية قاسية ترهب العالم من التعامل معها وتمنعه من شراء نفطها مصدر دخلها الأساسي ثم تظل محلك سر.
اليوم ترامب يلحّ في طلب التفاوض، وقد تقدّم خطوة بعدم تحديده شروطاً مسبقة للجلوس معها، وإيران تطلب رفع العقوبات أولاً، والتعامل معها باحترام، وهنا تنفتح ثغرة لتحرك الوسطاء والعقلاء، ويكون بدء الحل بتعهد واشنطن تخفيف العقوبات، والتعامل مع إيران بما يليق بوجودها وتاريخها لكسبها إلى جانب السلام والاستقرار والتعايش، وفي مرحلة أخرى يشمل التفاوض دورها في المنطقة، وهذا الدور التوسعي عبء عليها ومكلف لها، وهي لن تجني من ورائه فوائد، بل يأتي على حساب أوضاع مواطنيها، واستقرار وسلام المنطقة، وحسن الجوار، وعدم تدخل أي طرف في شؤون طرف أو أطراف أخرى.
لا حل جذرياً لهذه الأزمة إلا بالسياسة والحوار والتفاوض والعقل وتغليب المصالح الجماعيّة المُشتركة لبلدان المنطقة.
كاتب وصحفي مصري