المنتدى

هل هي الحرب العالمية الثالثة أم مقدمة لها ؟

بقلم – صالح الأشقر

لو عدنا إلى فترة التوازن بين القطبين، الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق نجد بسهولة أن هناك ما يشبه الانضباط بين العملاقين في مشاكل وأزمات دولية سياسية وعسكرية واقتصادية وغيرها بخلاف الماضي الذي عانى العديد من قضايا الفراغ وعدم الانضباط، حيث كانت تحدث بين فترة وأخرى بعض الاختراقات غير المباشرة متمثلة في حدوث احتكاك عسكري بين دولتين، كل واحدة منهما حليفة لأحد المعسكرين الغربي أو الشرقي، وكانت مثل هذه الأزمات الصغيرة تستمر لعدة أيام أو أسابيع وقد تطول لشهور تنتهي لخدمة ومصلحة الحليفين لتعويض البلدين عن خسائرهما خلال حربهما الماضية.

وكانت معظم دول العالم تعرف بسهولة أن مثل تلك الاحتكاكات هي تعبير غير مُعلن عن عدم رضا الشرق أو الغرب حول موضوع معين بينهما، وأن قضية معينة تهم كلاً من العملاقين وتهم أحدهما من ناحية ربما تكون عسكرية أو تجارية أو جغرافية إلى آخر الأسباب التي تؤدي إلى الخلافات السياسية والتي بدورها تتعدى المكان إلى مثل تلك المناطق المهيأة للاحتكاكات بين الحلفاء الصغار للجانبين.

ذلك كان حال العالم في حقبة العملاقين، الأمريكي والسوفييتي، ولكن يبدو أنه قد حصل بعض التغير في الفترة الراهنة، ويتبيّن ذلك من حروب الدول الأقل أهمية على مستوى العالم وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط التي تزداد اشتعالاً وخسائر بشرية كبيرة، خاصة أن هذه الحروب تزداد اشتعالاً بين الجماعات الأكثر تعصباً دينياً في الدولة الواحدة والأكثر في الدول العربية التي تُعتبر أكثر حساسية ولهيباً خلال السنوات الأخيرة حول ما يتعلق بالجماعات الدينية المتطرفة.

وفي الوقت الذي تقول فيه الدول العظمى إنها تحارب الجماعات المتطرفة مثل القاعدة و»داعش» في العراق والشام وغيرهما، وفي الوقت الذي تكاد تكون مثل هذه الحروب في الدول الهامة على مستوى العالم شبه معدومة، وكأن هذه الحروب على موعد مع حروب أو حرب أكثر ضراوة والتهاباً من حيث كثرة ضحاياها وأضرارها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والبيئية، والمتوقع أن تلتهب خلال مرحلة قادمة من مراحل تزاحم أو احتكاك المصالح حول مثل هذه الحروب الصغيرة.

والمريب خلال السنوات الأخيرة، ذلك التدخل الكبير الذي حدث ويحدث بين فترة وأخرى بين بعض الأنظمة في المنطقة وبين هذه الجماعات إضافة إلى التدخلات العسكرية بين هذه الجماعات والدول الكبرى مثل روسيا وأمريكا عندما يتدخلان بغارات جوية ضد «داعش» لدرجة أن الدولتين العظميين تحاولان أن تجعلا من «داعش»دولة عظمى، ولذلك تقوم الدولتان العظميان بغارات جوية ضد «داعش» في العراق والشام، ما جعل العالم يتساءل باندهاش حول وصول جماعات مثل «داعش» إلى هذا المستوى الذي أصبح قادراً على مقاومة الدول العظمى.

وحول ما يُقال بأن الدول العظمى ملّت بعض الأنظمة العربية أو أنها لم تعد قادرة على تحمل استبدادها ضد شعوبها وجمودها البليد حول مصالحها الخاصة وفي نفس الوقت لا تريد التخلص منها بواسطة هذه الجماعات المتطرفة وغيرها في المنطقة.

وعندما نحاول مقارنة هذه الحروب بين دول عظمى وهذه الجماعات، يأتي ذلك من تعظيم وتضخيم هذه الحروب من قبل الدول العظمى ويجعلنا نشبهها بحرب عالمية ثالثة نظراً لاستمرارها منذ سنوات وما تزال تواصلها بنفسها الطويل وهذا ما يؤثر على تفكيرنا ببعض الشكوك عندما نلقي نظرة متأنية حول هذه الحروب الصغيرة المشتعلة من قبل دولة كبرى ضد مجموعة صغيرة في دولة صغيرة وسط ضجة إعلامية ضخمة.

ومن خلال استعراض ومواصلة المتابعة لهذه الحروب المتناقضة والمستغربة وفي نفس الوقت الضخمة في إعلامها والصغيرة والمتناثرة هنا وهناك في حقيقتها نجد أن أغلبها في الشرق الأوسط مثل العراق، وإذا ما قفزنا من القارة الآسيوية إلى القارة الإفريقية سوف نجد الشقيقة ليبيا وقد انشرخت إلى نصفين يخوض كل نصف عدواناً شديد الضراوة ضد الآخر، ويخوض كل نصف المعركة لصالحه وبهذا التوجه تتعرض ثروة ليبيا النفطية للضياع، ما يجعل أنصار القذافي يفخرون بعهده الذي استمر حوالي 40 عاماً ولم يتجرأ أي ليبي على إطلاق رصاصة واحدة خوفاً من عقاب العقيد الذي لا يرحم، ولشدة الحرب الليبية بين الأشقاء وخوفاً على ضياع الثروة تدخلت الدول الأوروبية بهدف إخراج البلاد من هذه الحرب الأهلية، التي تحرق الأموال الليبية من أجل تمكين الشقيق من قتل شقيقه ولعل وعسى أن تصل الوساطات الدولية إلى حل يرضي الجميع في ليبيا والمتوقع تحويل ليبيا إلى دولة فقيرة إذا استمر هذا الجنون. وحتى تونس التي فرح المواطن العربي بأنها قد توصلت إلى نظام ديمقراطي لا يختلف عن الأنظمة الأوروبية وأتاح لتونس مسيرة جديدة إلى جانب أرقى دولة ديمقراطية أوروبية ولكن ذلك يتعرض بين فترة وأخرى إلى هزات عنيفة يصل ضحاياها إلى مستويات كبيرة نتيجة العنف الكبير الذي تتعرض له بعض الدول لفترات. وإذا ما تركنا القارة الإفريقية وعدنا إلى آسيا فإننا سوف نجد بعض البلدان العربية المتوقع أن تطالها نار الحرب العالمية الثالثة الجارية الآن في العديد من الدول العربية.. ومع ذلك سوف نعتبر أنه لم يحن وقتها ونذهب إلى اليمن البلد العربي المتبقي في هذا المجال، وهو الذي إذا ما دخل أي حرب أهلية فإنه يتفوق على الجميع من حيث شدة الكوارث في قتل الأطفال قبل الكبار وما يجري هذه الأيام يؤكد وبقوة حجم الكارثة العسكرية اليمنية. وهكذا تتضح المأساة العربية، إنّ هناك حروباً عربية كثيرة وليست حرباً واحدة .. حرب في العراق، وحرب في سوريا، وحرب في اليمن، وحرب في ليبيا، وما خفي أخطر.. وهذه الحروب كلها تشهد المزيد في ضراوتها إلى المستوى المتوقع أن يؤهلها إلى أن تكون ضمن الحرب العالمية الثالثة عندما تزداد عدداً وعدة وينضم إليها الحلفاء وعشاق الحروب في العالم.

كاتب قطري

العلامات
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X