المنتدى

قرارات الرئيس الفلسطيني .. ردٌ لم تتوقعه إسرائيل

بقلم – عبدالحكيم عامر ذياب

أعلنها الرئيس محمود عباس، وقال كلمة الفلسطينيين، وأوقف العمل بالاتفاقيات مع إسرائيل التي كانت تعتقد أنه لن يفعلها، بعد أن التزمت السُلطة بالاتفاقيات الدولية على مدار أعوام طويلة، وبعد أن لاقت هذه القرارات إعجاباً وترحيباً من جميع الفصائل الفلسطينية والشخصيات الاعتبارية، لكنها للأسف لم تخلو من المُزايدات لدى البعض، حتى في خطابات الترحيب وجدنا أن هناك من قال و(لكن)، حتى حين دخلت القرارات حيّز التنفيذ عبر لجنة منفذة، شعرنا أن المُزايدات قد خفّفت من حدة أهمية أن السلطة الوطنية تهدّد كياناً تدعمه دولة بحجم أمريكا، دون النظر إلى العواقب والعقوبات التي من شأنها أن تشل حركة السُلطة، إلا أن الرئيس استمر فيها، وقال بملء فيه (أننا جاهزون لاتخاذ الإجراء، وتحمّل مسؤوليته بالكامل)، إلا أننا لم نسلم من بعضنا البعض بلغة التشكيك والاتهامات!.

وصل بنا الحال إلى أن نتربّص لبعضنا البعض، ونتمنى لبعضنا الهلاك، والزوال والفشل، والضربات التي لا تقدّم شيئاً، غير أنها تزيد من حجم الخلافات، والأزمات على المستوى الوطني والشعبي، فقد أصبحنا نعاني من أزمة ثقة حقيقية في قيادتنا، ومُقاومتنا الشعبية التي هي حق لا بديل عنه، ولا تنازل، وأثق أن الرئيس يعي جيداً ماذا يفعل، وكيف يُقرّر عن شعبه ليُبقي على الأقل ماء الوجه، والكرامة لشعب عانى على مدار أكثر من 60 عاماً من الاحتلال. النقاش العام الذي يدور بين صفوف الفصائل، والمُنظمات الفلسطينية لمسألة القرارات وتنفيذها كان سطحياً لا يرتقي لحجمه، ولا لمخاوف الاحتلال من تنفيذها، ولا للأبعاد السياسية التي من شأنها أن تؤرّق الاحتلال وداعمه. هناك من يتمنى أن تتورّط السلطة ومنظمة التحرير بالإقدام على تنفيذ هذه القرارات، عبر توظيف المخاطر الاستراتيجية التي تتعرّض لها القضية الفلسطينية، دون النظر إليها بعين مسؤولة، ووضع الآليات لكيفية مواجهتها، عبر خطط سياسية مدروسة خاصة أن المُتضرّر ليس فقط الاحتلال، وعلينا أن نعرف أن الرئيس كان واضحاً، ويعرف أن المخاطر على سلطتنا وحراكنا كبيرة، لكن فعل شيء أفضل آلاف المرات من الصمت، دون اتخاذ قرارات تجعل المُحتل يفكّر ملياً قبل التعدي على مواطنينا، في القدس والضفة وغزة، وأبنائنا في الشتات الفلسطيني. يجدر أن نعترف أيضاً أن هذه القرارات ليست جديدة، والمؤسسات الفلسطينية، كانت قد اتخذتها مرات عديدة منذ دورة المجلس المركزي في آذار 2015، لكن الزمن مهم جداً في قراءة الوقائع المُختلفة بين 2015، حين كان باراك أوباما في الحُكم، وبين 2019، حيث ترامب على رأس الإدارة الأمريكية. غير أن اتخاذ القرارات في زمن باراك أوباما، يعني أن ثمّة قراءة سياسية صحيحة، للوجهة التي تتخذها الأحداث والتي تؤكد دائماً انهيار احتمال حل الدولتين، من فعل الاحتلال وأفعاله التي يجب أن تقف عند حدها، واليوم تختلف الأمور تماماً والزمن أيضاً، والوقت، نحن في زمن ترامب الذي يدعم الاحتلال في كل قراراته حتى إن كانت تهين كل الاتفاقيات الدولية وتسحقها. أرى أن مُجمل القرارات التي اتخذها الرئيس ستُترجم على مراحل، ومن غير المُتوقع أن تنفّذ جملة واحدة، وهنا تأتي الحكمة، حتى نعرف كيف نقرأ ردود الفعل، ودراسة ماذا بإمكان إسرائيل أن تفعل في ظل دعم أمريكا اللا متناهي، فجملة القرارات تلك تأتي في إطار إعلان سياسيّ غير مُباشر، لوقف المُفاوضات، وانهيار الآمال حول تحقيق السلام، ما يستدعي النظر إلى أن أمريكا تدفع الطرفين لحالة صراع جديدة على كل الأرض والحقوق، وحفظ كرامة الفلسطينيين، التي تتعامل معهم إسرائيل وأمريكا أنهم شعب بلا أرض ولا حق ولا إرادة أو فعل.علينا أن ندرك اليوم أن هذه القرارات غير عبثية، بل جاءت بجرعة إضافية وبمصداقية أعلى وبتكتيك سياسيّ أعلى وأنضج، وبرأيي قد يُحرك سياسات دول، وقد يُغيّر جذرياً أيضاً في مواقف الاحتلال على المستوى المحلي والشعبي والدولي، رغم أنها تدعي أنها لم تلتفت بجديّة نحو تلك القرارات، ولم تتعامل بالحد الأدنى إلى اجتماع اللجنة المنفذة والمكلّفة ببحث آليات وتوقيت التنفيذ. على كل حال نجحت هذه القرارات السياسية أو لم تنجح، هذه مسألة تحتاج لوقت لخضوعها للنقاش، وعلينا أن نعلم كفلسطينيين أردنا أم لم تعجبنا النتائج أن إسرائيل وأمريكا ماضيتان في مخططاتهما لتصفية القضية الفلسطينية هذا ما يجب أن يلهمنا أن نتحد وندعم كل خطوة في تجاه المواجهة التي نقدر عليها، وأن نتعامل مع الصراع من مواقع جذرية، والتسليم بأن هذه القرارات ينطوي عليها ثمن كبير، وهذا الثمن يقدّر من طريقة وآليات التنفيذ من ناحية ومن ناحية أخرى مدى استعدادنا لتحمّل كل تبعات ردود الفعل الإسرائيلية. وإن عدنا لسياسات مُنظمة التحرير التي كانت تؤمن طوال الوقت أن المقاومة تعتمد على طاقتنا فقط، طاقات الفلسطينيين في القدس والضفة وغزة، والشتات، سندفع الثمن غالياً، لكن توابعها ستكون لمصلحتنا جميعاً، لوقف مُخطط صفقة القرن الملعونة، وإنهاء الانقسام الظلامي الذي دفعنا ثمنه غالياً على مدار سنوات. ما يهمنا الآن أن نكثّف كل الجهود للملمة جراحنا، وأن نتخلى عن كل شكوكنا التي تعمّق أزمة الثقة بيننا، لصالح حسابات الاحتلال المخططة والمدروسة بعمق.ولا يمكننا أن ننكر أن فصائلنا وأحزابنا باتت تعمل ضد بعضها، وإذا كان لهذه القرارات ثمن مقابل تحصيل وطني كبير فلا بأس، ونحتاج لشراكة الجميع لتحمّل مسؤولياتهم، ودعم كل الخطوات التي توجع الاحتلال، والسلطة الآن تحتاج لتكثيف كل الجهود فعلياً على الأرض، لا دعمها فقط عبر شعارات رنّانة، تنطوي مع تجدّد الأحداث، فثمّة فارق كبير بين أن نتمنى وأن ندعو، وأن نستنكر، وبين أن نكون جدّيين في العمل على الأرض ودعم قيادتنا التي ستتحمّل جزءاً كبيراً من المسؤولية، لذا لا بد لنا أن نكون على قلب رجل واحد، ويد واحدة، وفي الاتحاد قوة.

كاتب فلسطيني

العلامات
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X