أمريكا تتدخل لانتشال السعودية من المستنقع اليمني
الحرب اليمنية أنهكت الرياض عسكرياً وأضعفت اقتصادها
السعودية ترتكب جرائم حرب في اليمن بحسب المنظمات الإنسانية والحقوقية
الرياض مُجبرة على مد يدها إلى الحوثيين بعد فشل حربها في اليمن
بعد خمس سنوات من شنها حرباً وصفتها جهات دولية بأنها حوّلت اليمن إلى واحد من أخطر أماكن العيش في العالم، فضلاً عن انتشار الأمراض والفقر والجوع في هذا البلد، يبدو أن السعودية ذاهبة تحت ضغوط أمريكية نحو طاولة تفاوض مع الحوثيين، للخلاص من مستنقع الحرب اليمنية. السعودية التي تتمتع باقتصاد من القوة جعلها في مصاف الدول العشرين الأكبر اقتصاداً في العالم، كان للحرب التي تخوضها في اليمن لقتال الحوثيين، ودعم الحكومة الشرعية، دور بارز في إضعاف هذا الاقتصاد؛ وهو ما أجبر الرياض على اتخاذ خطوات غير مسبوقة لتوفير النفقات. من هذه الخطوات زيادة الضرائب، وفرض قوانين صارمة على الوافدين ومن ضمنهم أصحاب رؤوس الأموال، وهو ما أجبر عدداً كبيراً من هؤلاء على ترك المملكة وتصفية أعمالهم فيها، لتشهد البلاد أزمة أخرى لا يمكن تجاوزها خلال فترة قريبة. تلك الخطوات التي اتخذتها الرياض جاءت في وقت تنفق فيه مبالغ ضخمة على شراء الأسلحة، وفي حين أن المملكة لا تخوض حرباً إلا في اليمن، يشير ذلك إلى أن الإنفاق الضخم يذهب لديمومة القتال في هذا البلد،الذي يتعرّض لأبشع صور الدمار نتيجة هذه الحرب. لم تعلن السعودية أيّ تكلفة لعملياتها العسكرية في اليمن، لكن تقارير دولية وخليجية تناولت هذه التكلفة بأرقام متفاوتة. من خلال رصد وتحليل الأرقام والبيانات الرسمية وغير الرسمية المتعلّقة بالعمليات العسكرية في اليمن، تمكن “الخليج أونلاين” في وقت سابق، من الوصول إلى التكلفة الإجمالية لهذه الحرب. وبحسب تقرير تلفزيوني بثّته قناة “العربية” السعودية، في 2 أبريل 2015، أي بعد 8 أيام فقط على انطلاق عملية “عاصفة الحزم”، فإن التقديرات أشارت إلى أن المملكة قد تنفق نحو 175 مليون دولار شهرياً على الضربات الجوية ضد مقاتلي “الحوثي” في اليمن، باستخدام 100 طائرة. وأشارت القناة آنذاك إلى أن الحملة الجوية التي قد تستمرُّ أكثر من 5 أشهر، ربما تكلّف الرياض أكثر من مليار دولار أمريكي. وفي أرقام بعيدة عن تقديرات القناة، قالت مجلة “فوربس” الأمريكية، بعد 6 أشهر من اندلاع الحرب، إن تكلفة الأشهر الستة بلغت نحو 725 مليار دولار، أي أن التكلفة الشهرية تصل إلى 120 مليار دولار. تقدير آخر جاء في دراسة نشرتها جامعة هارفارد الأمريكية، أشار إلى أن تكلفة الحرب تصل إلى 200 مليون دولار في اليوم الواحد. أما صحيفة “الرياض” السعودية، فقدَّرت أيضاً تكلفة تشغيل الطائرات السعودية المشارِكة في الحرب، بنحو 230 مليون دولار شهرياً، متضمّنة تشغيل الطائرات والذخائر المستخدمة والاحتياطية، وثمن قطع الغيار كافة والصيانة وغيرها.
فضلاً عن الخسائر المالية الكبيرة التي تكبَّدتها في اليمن، تواجه السعودية اتهامات من منظمات إنسانية وحقوقية دولية، تؤكد تسبُّبها في تدهور كبير حصل بالبنى التحتية وحياة السكان في اليمن. في تقريرها لعام 2019، ذكرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن النزاع المسلح في اليمن ألحق خسائر فادحة بالسكان؛ إذ قُتل وأصيب آلاف المدنيين من جرّاء القتال. وقالت: “يعاني الملايين نقصاً في الغذاء والرعاية الطبية، ومع ذلك تستمر الأطراف المُتحاربة في إعاقة المساعدات”. وأضافت: “يعاني المدنيون في جميع أنحاء البلاد نقص الخدمات الأساسية، وأزمة اقتصادية متصاعدة، وحُكماً ضعيفاً، وأزمة في أنظمة الصحة والتعليم والقضاء”. واستطردت المنظمة تقول: “شنّ التحالف (السعودي – الإماراتي) عشرات الغارات الجوية العشوائية وغير المتناسبة؛ وهو ما أسفر عن مقتل آلاف المدنيين وضرب البنية التحتية الحيوية والهياكل المدنية الأخرى في انتهاك لقوانين الحرب”.
انتقادات دولية
السعودية واجهت ضغطاً دولياً آخر زاد من حرج موقفها، تمثل بوقف عدة دول تزويدها بالأسلحة. ففي وقت سابق من أغسطس الجاري، علّقت شركة “آر دبليو إم” (RWM) الإيطالية لصناعة الأسلحة تصدير السلاح إلى السعودية والإمارات 18 شهراً؛ بسبب استخدامها في حرب اليمن. وفي يونيو الماضي، علّقت الحكومة البريطانية إصدار تراخيص جديدة لتصدير أسلحة إضافية للسعودية، بعد أن قضت محكمة الاستئناف اللندنية، في 20 من الشهر نفسه، بأن تراخيص بيع الأسلحة البريطانية للرياض غير قانونية، وفي 12 يوليو رفضت محكمة الاستئناف طلب الحكومة إلغاء القرار. وفي نوفمبر الماضي، أعلنت فنلندا وقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى السعودية والإمارات، مُرجعة ذلك إلى دور البلدين في الأزمة الإنسانية التي يعيشها اليمن، بالإضافة إلى مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول. وللأسباب نفسها أعلنت ألمانيا، في أكتوبر 2018 ، وقف إجازات تصدير السلاح للسعودية.
بين ترامب والكونجرس
في 25 يوليو الماضي، استخدم الرئيس الأمريكي الفيتو الرئاسي ضد قرارات للكونجرس بوقف صفقات بيع أسلحة إلى السعودية والإمارات، البلدَين الحليفين اللذين يخوضان حرباً في اليمن. ويعتبر مراقبون أن صفقات الأسلحة ستفاقم الحرب في اليمن، إذ تدعم الولايات المتحدة الحرب التي تشنها السعودية إلى جانب الإمارات على الحوثيين وهي حرب تسبّبت – وفق الأمم المتحدة – بأسوأ أزمة إنسانية في العالم. لكن ترامب، الذي دفع السعودية إلى عقد صفقات ضخمة لشراء الأسلحة الأمريكية، أشار إلى أن حظر مبيعات الأسلحة الأمريكية “قد يطيل على الأرجح النزاع في اليمن ويعمّق المعاناة الناتجة عنها”. وفي مقابل دعم ترامب للسعودية؛ سعياً لبيعها الأسلحة، وتحسين صورته أمام ناخبيه؛ لجلبه فرص عمل وواردات ضخمة من بيع الأسلحة، يقف نواب في الكونجرس إلى جانب وقف بيع الأسلحة للرياض، والمُطالبة بفرض عقوبات على المملكة. وتتعالى الأصوات الرافضة لدعم السعودية داخل الكونجرس، لا سيما بعد جريمة مقتل خاشقجي، التي كشفت عن اعتماد حكومة الرياض لسياسة تكميم الأفواه بالقوة، وانتهاكات خطيرة تمارس بحق المُخالفين لسياسة الحكم. آخر هذه الجهود كشف عنها نواب في الكونجرس الأمريكي، في وقت سابق من أغسطس الجاري، إذ أكدوا استمرار جهودهم الرامية لوقف مبيعات السلاح للسعودية وفرض عقوبات عليها. ورداً على استخدام ترامب “الفيتو”، قال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام “سأستمر في المحاولة”.
لسان حال السعودية: مُجبر أخاك لا بطل
كل الإشارات السابقة تذهب إلى أن إنهاء الحرب هو الحل الوحيد الذي ينقذ السعودية من مستنقع الحرب الذي دخلته في اليمن، وهذا ما بانت ملامحه في زيارة لواشنطن بدأها نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، وهي أول زيارة رسمية له، بعد مُغادرة منصبه في واشنطن كسفير للمملكة، في أعقاب أزمة مقتل جمال خاشقجي. وقالت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس): إن نجل ملك السعودية سيلتقي خلال الزيارة عدداً من المسؤولين الأمريكيين لبحث العلاقات الثنائية ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك التي تدعم أمن واستقرار المنطقة، دون مزيد من التفاصيل. ولم تذكر الوكالة الرسمية السعودية السبب الرئيسي وراء هذه الزيارة، لكنها جاءت بالتزامن مع معلومات تتحدّث عن عزم واشنطن إجراء محادثات مع الحوثيين في اليمن. ونقلت وكالة “بلومبيرغ” للأنباء، عن مصادر مُطلعة قولها إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تستعد لإطلاق مُحادثات مباشرة مع الحوثيين في اليمن، في مسعى لإنهاء الحرب المستمرة هناك منذ مارس عام 2015. وقالت المصادر: إن واشنطن تتطلع إلى دفع السعودية إلى المشاركة في “مُحادثات سريّة في سلطنة عُمان مع قيادات حوثية؛ في مسعى للتوسّط لإعلان وقف لإطلاق النار في اليمن”. ولم تعلق السلطات السعودية حتى اللحظة حول هذه الأنباء، حيث تبحث الرياض عن مخرج من الحرب بعدما تكبّدت خسائر كبيرة، وفشلها في إعادة الشرعية وإنهاء انقلاب الحوثيين. ونقلت شبكة “الجزيرة” عن مسؤول في الخارجية الأمريكية قوله إن سفير واشنطن في صنعاء يتحدّث مع جميع الأطراف اليمنية لتحقيق أهداف السياسة الأمريكية تجاه اليمن، وهو ما يؤكد الرغبة الأمريكية بإنهاء الحرب.