مســتقبل الأمـــن القــومــيّ العــربـي غــامض
التوزاني: غياب الديمقراطية يعرقل تحقيق الأمن القوميّ العربي
د. إبراهيم محمود: الأمن القوميّ هيبة ونفوذ وليس خطاً حدودياً
مكنمارا: الأمن يعني التطور والتنمية في ظل حماية مضمونة
ميثاق الجامعة: الأمن القوميّ ضمان جماعي ضد أي عدوان
هيكل: الهدف من الأمن القوميّ والحرب تحقيق السلام

تقرير – ممدوح عبدالعظيم:
يُواجه الأمن القوميّ العربي العديد من المعيقات التي تقف في وجه تطويره وتحقيقه، ومنها تشابُك العناصر التي تُشكّل الأمن القوميّ، مما يجعلُ عمليّة رصدها أمراً مُزعجاً وصعباً بسبب تنوّع الأنظمة السياسيّة والاجتماعية والاقتصاديّة للأقطار العربية؛ إذْ إنّ لكلّ قُطرٍ نظامه الخاص في الحكم. استخدامُ مَفهوم الأمن القوميّ العربيّ بشكلٍ كبير وتداوله بصورةٍ تُظهره بأنّه يَحمل الكثير من الدّلالات والمَضامين المُتناقضة.
ارتبط مفهوم الأمن القوميّ تاريخياً بالحروب وتَبريراتها الاستعماريّة، وما جلبت للعالم العربي من قمعٍ داخليّ، وتشكيل القوى الدّفاعية للدولة عبر الوَسائل المستوردة من الخارج، ممّا يَزيد من صعوبة اتّخاذ القرارات السياسية لكل دولة، ويفرضُ قيوداً على حُريّة العمل العسكري، فتحقيق الأمن القوميّ العَربيّ والوصول للتنمية والرّخاء والنّمو الاقتصاديّ لا يكونُ إلّا بِتحقّق الأمن والسّلام، وهذا لا يمكنُ تحقيقه إلا من خلال مُرتكزاتٍ عديدة، منها تحقيقِ الكرامة الاجتماعيّة والرّخاء الاجتماعيّ للشّعوب، والسّماح لطاقاتهم الكامنة بالانطلاق وتقييد الخوف والحدّ منه، تأكيد مفهوم استقلال الأقطار في الجانب الاقتصاديّ والسياسيّ، وكسب الإرادة في إزالة المُحبطات ومُسبّباتها ومواجهة المخاطر، والتخلّص من المهانة، توفير الإرادة السياسيّة في تحقيق الأمن القومي العربي، توفير الحقوق الاجتماعيّة والسياسيّة للأفراد وللدولة، بما يتّفق مع مفهوم الأمن القوميّ الدولي.
ثمة تعريفات كثيرة لمفهوم «الأمن القوميّ العربي».. وهي تنتسب إلى مدارس ومذاهب نشأت، في الأصل، لدراسة الأمن الوطني (القُطري) ومفهومه ونظرياته وثوابته ومتغيراته ومقوماته وعوامله ووسائله وكل ما يتعّلق به.
وهي مدارس ومذاهب أجنبية في أكثرها.. ولهذا لا يزال الفكر السياسي العربي يلامس، حتى اليوم، موضوع الأمن القوميّ العربي، ملامسة غير متعمقة ولا مفصلة، ولا تزال البحوث والدراسات التي كتبت فيه قليلة.
ومن أحدث التعريفات وأشملها، ذلك التعريف الذي اقترحته الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في تقريرها عن الأمن العربي. وهو تقرير لا يزال منذ سبتمبر ١٩٩٣ معروضًا أمام مجلس الجامعة لإقراره، ثم طوي.
وقد عرف ذلك التقرير الأمن القومي العربي بأنه «قدرة الأمة العربية في الدفاع عن أمنها وحقوقها وصيانة استقلالها وسيادتها على أراضيها، وتنمية القدرات والإمكانيات العربية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، مستندة إلى القدرة العسكرية والدبلوماسية، آخذة في الاعتبار الاحتياجات الأمنية الوطنية لكل دولة، والإمكانيات المتاحة، والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية التي تؤّثر على الأمن القومي العربي».
ويعتمد مفهوم الأمن القوميّ على مفهوم التّحديات التي هي مُتغيّراتٌ أو مشكلاتٌ أو عوائق أو صعوبات تواجه الدّولة، وهي تكون من البيئة الدّوليّة أو الإقليمية أو حتّى المحليّة. مفهوم المخاطر: هي الإحباطات أو الضّغوط التي تطرأ في ظروف البيئة الدّولية أو الإقليمية أو الدّاخلية للدولة، وتُعيق تنفيذ المصالح الحيوية للدّولة أو التأثير في دورها على الصّعيدين العالمي والإقليمي.
الأمن والحرب
يقول الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل: الحرب ليست هي الأمن القومي وإنما هي جزء من الأمن القومي .. فالحرب عمل سياسي كامل والقتال جزء من الحرب وليس كل الحرب، وحتى قرار القتال هو قرار سياسي وإن الهدف من الأمن القومي ومن الحرب ومن القتال كله السلام، والسلام على شروط تراها أمة من الأمم محققة لمصالحها ومؤمنة لمستقبلها.
يشير مفهوم الأمن في أحد تعريفاته إلى “القدرة التي تتمكن بها الدولة من تأمين انطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية، الاقتصادية والعسكرية، في شتى المجالات في مواجهة المصادر التي تُهددها في الداخل والخارج، في السلم والحرب، مع استمرار الانطلاق المؤمن لتلك القوى في الحاضر والمستقبل تحقيقاً للأهداف المخططة.
عرّف الأمن القوميّ (National Security) بأنّه قدرة الدّولة على تَأمين استمرار أساس قوّتها الدّاخلية والخارجية، والعسكريّة والاقتصاديّة في مُختلف مناحي الحياة لمواجهة الأخطار التي تُهدّدها من الدّاخل والخارج، وفي حالة الحرب والسِّلم على حدٍّ سواء.
الإمكانات المتاحة
ويرى «أمين هويدي» أن الأمن القومي العربي: «مجموعة الإجراءات التي يمكن أن تتخذ للمحافظة على أهداف وكيان وأمن المنطقة العربية في الحاضر والمستقبل. مع مراعاة الإمكانات المتاحة وتطويرها، أي استغلال المصادر الذاتية وجعلها الأساس في بناء القدرة، وإدراك المتغيرات التي تحدث من حولنا وفي داخلنا».
وحسب ما يؤكده د. إبراهيم محمود حبيب في كتابه أصول دراسات الأمن القومي «أصول إدارة الدولة» فإن الأمن القومي ليس خطاً حدودياً بقدر ما هو هيبة ونفوذ، ورغم أنه من الناحية النظرية هو علم حديث، فإن المراجعات التاريخية تشير إلى أن تطبيقاته العملية تعود إلى آلاف السنين من قبل زعامات وقيادات تاريخية أدركته وفهمته فهماً عميقاً.
يذكر مؤلف الكتاب أن الولايات المتحدة الأمريكية لعبت دوراً رئيسياً في التأصيل لدراسات الأمن القومي كعلم مدون، وكانت أول دولة على مستوى العالم تعد صياغة مكتوبة لإستراتيجيتها للأمن القومي، وقد تبعها في ذلك العديد من الدول المتقدمة والنامية التي سعت إلى اللحاق بركب الدول المتقدمة.
أنظمة شمولية
أما على الصعيد العربي، فيرى المؤلف أن الأنظمة العربية لم تبد اهتماماً بهذه الدراسات، نظراً لطبيعة أنظمتها الشمولية التي تحاول أحياناً إلباسها أثواب ديمقراطية مرقعة. واقتصرت الإسهامات العربية في هذه الدراسات على بعض المفكرين والباحثين المجتهدين من غير أرباب السلطة، أو ممن لم تطل مشاركته فيها.
وفى مجال التوصل إلى «مفهوم» متفق عليه لـ «الأمن القومي العربي»، فإنه يجدر بنا التعرف على مدلول ذلك «المفهوم»، في إطار المدارس الفكرية المعاصرة. فـ»الأمن»- من وجهة نظر «دائرة المعارف البريطانية»- يعني «حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية». ومن وجهة نظر هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، يعني «أي تصرفات يسعى المجتمع عن طريقها إلى حفظ حقه في البقاء».
ولعل من أبرز ما كُتب في هذا الإطار ما جاء في كتاب «جوهر الأمن»، الذي كتبه «روبرت مكنمارا، وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، وأحد مفكري الاستراتيجية البارزين، والذي قال فيه «إن الأمن يعني التطور والتنمية، سواء منها الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو السياسية، في ظل حماية مضمونة». واستطرد قائلاً: «إن الأمن الحقيقي للدولة ينبع من معرفتها العميقة للمصادر التي تهدد مختلف قدراتها ومواجهتها لإعطاء الفرصة لتنمية تلك القدرات تنمية حقيقية في جميع المجالات، سواء في الحاضر أو المستقبل».
ميثاق الجامعة
ولعل من المهم أن نشير إلى أن ميثاق جامعة الدول العربية، الذي وضع عام 1944، وأنشئت الجامعة على أساسه في مارس عام 1945، لم يذكر مصطلح «الأمن»، وإن كان قد تحدث في المادة السادسة منه عن مفهوم «الضمان الجماعي» ضد أي عدوان يقع على أي دولة عضو في الجامعة، سواء من دولة خارجية، أو دولة أخرى عضو بها.
كما أن معاهدة «الدفاع المشترك»، و»التعاون الاقتصادي» بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، والموقعة عام 1950، قد أشارت إلى التعاون في مجال الدفاع، ولكنها لم تشر إلى «الأمن»، لكنها نصَّت أيضاً في المادة الثانية على «الضمان الجماعي»، والذي حثَّ الدول الأعضاء على ضرورة توحيد الخطط والمساعي المشتركة في حالة الخطر الداهم، كالحرب مثلاً، وشكَّلت لذلك «مجلس الدفاع العربي المشترك»، الذي يتكون من وزراء الدفاع، والخارجية العرب.
كما أُنشئت «اللجنة العسكرية» الدائمة، التي تتكون من رؤساء أركان الجيوش العربية. هذا، ولم تبدأ الجامعة العربية في مناقشة موضوع «الأمن القومي العربي» إلا في دورة سبتمبر 1992، واتخذت بشأنه قرار تكليف الأمانة العامة بإعداد دراسة شاملة عن ذلك «المفهوم»، خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر، تُعرض بعدها على مجلس الجامعة. وقد تم إعداد ورقة عمل حوله لمناقشتها في مجلس الجامعة العربية، وحددت الورقة ذلك «المفهوم» بأنه «.. قدرة الأمة العربية على الدفاع عن أمنها، وحقوقها، وصياغة استقلالها، وسيادتها على أراضيها، وتنمية القدرات والإمكانات العربية في مختلف المجالات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، مستندة إلى القدرة العسكرية والدبلوماسية، آخذة في الاعتبار الاحتياجات الأمنية الوطنية لكل دولة، والإمكانات المتاحة، والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، والتي تؤثر في الأمن القومي العربي».
لم تعرض الدراسة الشاملة عن «الأمن القومي العربي» على مجلس الجامعة، كما أن العديد من المفكرين عبَّروا عن قصور «المفهوم» الذي توصلت إليه اللجنة، حيث اتسم «المفهوم» بالغموض من جانب، والخلط بين التعريف والإجراءات من جانب آخر.تعبير «الدفاع العربي المشترك» ورد في معاهدة الدفاع المشترك. ولم يظهر مصطلح «الأمن القومي العربي» إلا في العام ١٩٨٠، حينما أشارت الوثائق الاقتصادية التي أقرها مؤتمر القمة العربي الحادي عشر (عمان، ٢٥ ١٩٨٠ ): وهي برنامج العمل العربي المشترك لمواجهة العدو الصهيوني في المرحلة القادمة، /١١/٢٧ وميثاق العمل الاقتصادي القومي، واستراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك، والاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية، وعقد التنمية العربية المشتركة.
وفي دراسة مهمة بعنوان « الأمن القومي العربي تحت مجهر التشخيص الواقعي للأخطار المحيطة به» يؤكد حكيم التوزاني أنه بالإضافة إلى الوضعية الداخلية المتأزمة للمنظمة العربية نتيجة غياب الديمقراطية الحقيقية، وانعدام احترام الشعب العربي واختياراته. واختلاف الأنظمة السياسية للدول العربية وتفشي النزاعات الترابية فيما بينها، مما خلق خلافات بينية يصعب تذويبها وإرجاعها إلى حجمها السابق. أمام هذه الوضعية المتأزمة أصبحت المنطقة العربية محل أطماع الدول الغربية بسبب موقعها الجيوسياسي المهم والحيوي على المستوى الدولي ومخزونات أرضه.