المنبر الحر

تأسيس العائلة

بقلم : طارق السيد ..

تبقى العائلة العربية رغم التطوّرات والتغيرات الاجتماعية نواة التنظيم الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع العربي، فيشير مفهوم العائلة المشتق لغويًا من (عال ويعيل) إلى علاقة اعتماد متبادل، أيضًا يسمى في اللغة العربية الأبناء بالعيال والوالد بالمعيل للإشارة إلى الدور الاقتصاديّ الذي يقوم به الأب وتقاسم المهام بالعائلة مع الأمّ، والتي تقوم بدورها بالتربية والتنشئة وإدارة جميع الشؤون المنزلية، كذلك يشار للابن (بالسند) تيمنًا وتهيئة له لتبادل الأدوار حيث سيصبح هو المعيل الجديد.

بجانب إشارة كلمة الأسرة للتآزر والتضامن، يربط البعض مفهوم الأسرة بالاشتقاق العربي لفعل (أسر) بمعنى الحبس والعبودية، فيشار لخاتم الزواج في بعض لهجاتنا العربية (بالمحبس)، على ما يبدو أنهم يقصدون بها انتهاء حالة الحرية المطلقة التي كانت قبل الزواج والدخول إلى القفص الذهبي، أي حالة فقدان الحرية.

في المفهوم الأول نرى أن الزواج لتأسيس العائلة يبنى على أساس اقتصادي، وكأنه يحل محل نظام التأمين الاجتماعي في الدول الغربية، فمن خلال الإنجاب يضمن الوالدان وجود معيل جديد للعائلة حينما يطعنان في العمر ولا يقدران على العمل، أما المفهوم الثاني يرى أن تأسيس الأسرة يبنى على أساس تنظيم وتأطير عملية النكاح والتي تقوم بها جميع التجمّعات البشرية في العالم سواء كانت بشرائع سماوية أو نظم اجتماعية وراثية. فوق ذلك يتمّ أيضًا الزواج بهدف النسب والمصاهرة، ففي فترات ماضية كان تعتبر المصاهرة جزءًا لإحلال السلام بين القبائل والدول وأيضًا نوعًا من تقاسم السلطة، فمن خلال النسب كان يتمّ تغير الطبقة الاجتماعية، فيرتقي الفرد بزواجه من ذوي النسب الرفيع أو يصبح محسوبًا على مجموعتهم وعائلتهم.

يقول الله سبحانه وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، ومن هنا نرى أنّ أهم قاعدة يجب أن تتأسس عليها الأسرة هي المودة والرحمة فإن أي أساس أو مفهوم آخر سيقود لنتائج عكسية. فالزواج وتأسيس الأسرة على مبدأ اقتصادي قد خسر قيمته، لأن غالبية الأزواج الآن تنزل للعمل ونظام تأمين المعيشة الاجتماعي أخذ يحل مشكلة تأمين لقمة العيش. إن زواج المودة والرحمة يقوم على أساس متين فيقول عز وجل(هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) وهنا يصف الرحمن أساس العلاقة بأرقى التعابير، إنهما لباس ستر لكم وأنتم لهن ستر وسكن وسكينة لبعضكم، وهو وصف يرمي إلى فكرة سامية في الارتباط تفوق كل المفاهيم.

إن أي مفهوم آخر للتزاوج وتأسيس الأسرة غير مفهوم المودة والرحمة قد يساعد في قضايا البحث العلمي والإحصاءات، ولكنه سيؤدّي حتمًا إلى نتائج سلبية على أرض الواقع إذا تمّ اعتماده في اختياراتنا قبل الإقبال على بناء العائلة.

 

[email protected]

                   

العلامات
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X