
بقلم / سامي كمال الدين – إعلامي مصري:
تبقى لبنان علامة فارقة في ثورات الربيع العربي بصمودها وتعبيرها عن المواطن اللبناني ببهجتها وصوتها الغنائي، وبالتفاف فنانيها ومشاركتهم الناس آلامهم ومطالبهم وحقهم في مدخول مُناسب لحياة المواطن.
لكن المُدهش هو توحد بلد يمور بالطائفيّة، وظلت الحرب الأهلية لسنوات تحصد الأرواح، فإذا بالثورة اللبنانية توحّد السني مع الشيعي والماروني مع الدرزي والمسيحي لتقدّم للعالم صورة حضارية تليق بهذا البلد العظيم.
لم تستجب الجماهير الغفيرة للخطاب الأول الذي ألقاه سعد الحريري رئيس مجلس الوزراء، الذي تحدث فيه عن شركاء صنع القرار في لبنان، وعن الأزمات الاقتصادية ورواتب المسؤولين، ومنح الجميع 72 ساعة للحل، ثم جاء الخطاب الثاني، الذي اعتبره الثوار لا يعبّر عن مطالبهم، رغم ما قدّمه من تنازلات، منها تخفيض رواتب الوزراء والنواب الحاليين والسابقين إلى النصف، وعدم فرض ضرائب إضافية في الموازنة الجديدة، ومساهمة القطاع المصرفي ومصرف لبنان بـ 5200 مليار ليرة لخفض العجز، وخفض ألف مليار ليرة لسد عجز الكهرباء، ثم جاء الثالث بعد أسبوعين من المظاهرات، وإغلاق المصارف والمدارس والجامعات والطرقات، ليعلن من خلاله الذهاب إلى قصر بعبدا لتقديم استقالته للرئيس ميشال عون، وبأنه فشل في الوصول إلى حل، وقبله كان خطاب حسن نصر الله الاستعلائي، الذي وصف فيه الاحتجاجات بأنها مموّلة من الخارج، الذي لم يستجب له الشارع اللبناني، ثم لم يستجب بعد ذلك للبلطجة والمليشيات التي حطمت خيام الثوار وأحرقتها واعتدت عليهم.
استجابة سعد الحريري لصوت الشارع وتقديم استقالته من أوائل النقاط والمكاسب التي تُحسب للثورة اللبنانية، التي طالبت برحيل جميع من وضعوا السياسة والاقتصاد اللبناني في هذا المنزلق الصعب، وهي ذكاء من سعد الحريري، وتقدير موقف منه لوطنه، فقد حانت اللحظة التي يتحمّل فيها الجميع مسؤولياتهم للتجاوب مع الشارع اللبناني – حسب تعبير رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة.
نعم يجب محاكمة هذه الحكومة الفاسدة التي راح أغلب أعضائها يكنزون الأموال على حساب وطنهم وشعبهم، فلم ينشغلوا بالحياة الآدميّة للمواطن اللبناني، وتوفير الكهرباء وتخفيض الضرائب عن كاهل المواطن اللبناني.
صرّح مصدر مقرّب من الرئيس اللبناني، ميشال عون، لوكالة الأناضول التركية أن شكل الحكومة المقبلة لم يتضح وسيتم بحثه خلال الأيام المقبلة، «مشيراً إلى أن نواب البرلمان سيحدّدون شخصية رئيس الوزراء من خلال المشاورات مع رئيس البلاد.
وأوضح المصدر أن «المشهد ليس واضحاً حتى الساعة إن كانت الحكومة المستقبلية ستكون مُصغرة أو كبيرة أو موسّعة أو نصف تكنوقراط ونصف سياسيّين أو «تكنوقراط» بشكل كامل.
لم يتضح بعد الشكل وهذه النقطة سيتم بحثها في الأيّام المقبلة والآراء لا تلتقي على تحديد نوعيّة واحدة للوزارة أي تكنوقراط أو سياسيّين أو غيرهم لكنّ الأمر يتوقّف عند قدرة الرئيس عون على تأمين إجماع أو شبه إجماع حول الصيغة أو التركيبة الحكوميّة الجديدة».
وأشار المصدر إلى أن من يُقرّر شخصيّة الرئيس المُكلّف الجديد للحكومة هم النواب من خلال الاستشارات النيابيّة الملزمة التي يُجريها رئيس الجمهوريّة.»
لكن الشارع اللبناني يريد تحقيق مطالبه برحيل الجميع، بمن فيهم رئيس الدولة وإسقاط رئيس البرلمان، وإجراء انتخابات مبكرة، ومحاكمة رؤوس الفساد.. فهل يتحقق له ذلك؟!
وتيرة الشارع اللبناني أسرع من وتيرة حكامه، وقد سبق الشارع ساسته بمراحل، فطوال أسبوعين استطاع أن يضرب المثل في الوطنية والثورية الناضجة، لذا لن يتنازل عن مطلب واحد من مطالبه، التي أظن أنها ماضية في التحقق، ربما المطلب الوحيد الذي سيتم الالتفاف حوله هو استرداد الأموال المنهوبة، رغم إقرار الحريري بسن قانون لها، فهي خارج لبنان، والفساد له ألف طريق، والحق له طريق واحد، وهؤلاء استعانوا بقوى تهريب دولية وعصابات مافيا لنهب بلد بالكامل، وسرقة خيراته، والحصول على مكتسباته، فالأمر يشبه الآثار العربية المهرّبة إلى متاحف العالم، الكل يراها، والكل يعرف أنها مصرية أو عراقية أو سورية، والكل يطالب باستردادها، لكنه أشبه بانتظار جودو في المسرحية الشهيرة، التي ألفها الكاتب الأيرلندي صمويل بكيت، كوميديا مأساوية، عن الانتظار المميت، فالجميع ينتظر «جودو» لكن «جودو» لا يأتي أبداً.
عدا ذلك سيمرّ كل شيء وسيبقى لبنان بلد الأرز الذي يتغنّى الجميع بحبه ومكانته ليصبح وطناً للجميع، ويحضرني هنا صوت فيروز مع كلمات جبران خليل جبران:
الحق أقول لكم:
وطني يأبى السلاسل.. وطني أرض السنابل
وطني الفلاحون وطني الكرامون..
وطني البناؤون والغار والزيتون..
وطني الإنسان وطني لبنان»..