المنتدى

سقوط (قلم).. في الهاوية!

بقلم : أ.د. عمر بن قينه (كاتب جزائري) ..

السقوط أشكال وألوان ومواقع! أبشعها سقوط القلم! سقوط رؤية ورأي! سقوط موقف! ما أبشعه سقوطًا! حين يكون في (الهاوية)! وراء الهوى والإغراء! إغراء بمال، بمنصب، بموقع، بفضاء! حتى فضاء الرّأي نفسه! فكل أشكال (السقوط) يمكن فهمها وتحمّلها في إطارها وسياقها: سياسيًا وتجاريًا ونحوهما، لكن (سقوط القلم) من الصعب تحمّله! فيكون الأسى في النفوس المؤمنة بدور الكلمة موجعًا؛ فيصير الألم مبرّحًا!

القلم الذي شرّفه الله: بالقسم به مع ما يتدفّق به حبره، هو أداة خير، أداة رسالة، نور في الأيدي المؤمنة، وقاذفات لصدور قُوى البغي الظالمة! لا يجامل في الحق ولا يساوم على الحقيقة؛ فلا يبيع نبض (كلمة) ولا إشعاع (حرف) بعرض الدنيا، ولا زخارف الحياة فيها!

هو حامل الرسالات في الحاضر وسجلّها لقرون لاحقة، فعنوان نفوس مؤمنة صادقة وأرواح مشرقة، وقامات في ساحات الوغى (بالكلمة) كم هي عظيمة! وبالقلم! يا ربّاه؟ كم هو عزيز كريم! فكيف يسقط في (الهاوية) ويناله (الهوان)؟ وممّن؟!

لا يهون القلم إلا في أيد هيّنة! ولا يناله الهوان إلا من الدخلاء والانتهازيّين! ما أعظم أذاهم الذي ألحقوه به! ما أبشع المواقف المخزية التي جعلوه ترجمانا لها! فبات أداتهم للتضليل، يتزحلقون في ضلال لم تعد له سواحل ولا مرافئ، ضالون مضلون؛ في نار جهنم يحشرون!

ما أعظم سقوط القلم! تعظم البشاعة حين يكون السقوط من (متمرّس)، ما كان أمثالي (السّذّج) يعتقدون قابليته للسقوط في هوى المآرب، خدمة لأغراض الآخرين؛ في الهاوية من دون قرار! فتعجّ صدور مؤمنة بالأسف من زلل قلم لم يكن متوقعًا! لكنه الفرح تمتلئ به النفوس القذرة التي سدّدت (الطلقات) فأصابت أهدافها مبتلعة قلمًا طالما (ظننتُ) أنه مستعصٍ عن أمثالها! حسبته يتوفر على مناعة تامة ووجدان ثابت، وعاطفة لا تزيغ وعقل لا يحيد!

وا أسفاه من سقوط (قلم) في الهاوية! أحصر كلمته بين قوسين وقد فقد هويته وهيبته! أقولها بعد أن حبستها طويلًا في الصدر، ظنا منّي أن ما أقرأه لقلم عرفناه وطنيا إلا عثرة سينهض منها؛ فلكل جواد كبوة يجب أن تغتفر، لكن ما حسبناه عثرة بات إقامة! انحاز فيها لقوى الشرّ النّاعقة بالفتنة، العميلة للاستعمار حتى العبودية، الداعية له من جديد! أداته الدائمة الطيّعة لإرباك الجزائر والحيلولة دون تقدّمها خطوة نحو التطور والازدهار السياسي الديمقراطي والثقافي الحر! هي خطط (فرنسا) منذ رحلت ماديا (1962) لكنها توطّدت فعليًا في كل مناحي الحياة، بعملائها الأكثر (إخلاصًا) لها من أبنائها المتحرّرين من طبع العبودية.

أدركت (فرنسا) سريعًا أن ثوة شباب ما سُمي (بالحَراك) في (الجزائر) التي تفجّرت يوم (17/6/1441ه22/2/2019) تزعزع موقعها في الجزائر؛ فاستجابت لاستغاثة عملائها؛ وهم يندفعون لنشر الفتن العرقية والجهوية والإيديولوجية، والتعريض بالقُوى الوطنية، بما فيها (الجيش الوطني الشعبي) الذي انحاز لأول مرة لصفوف الجماهير، بعد أن (تطهّر) من (ضبّاط فرنسا) رافضا الإصغاء لعملاء الاستعمار الذين جعلوه سنة (1992) ينحاز لهم؛ فكان الانقلاب الذي أسقط رئيسًا وحلّ (برلمانًا) وأتى بنماذج بشرية لا تعترض على إرادة (الاستعمار) وأذنابه!

الصورة اليوم اختلفت، لهذا مضى الفزع يعصف بعملاء (فرنسا) فلاذوا بها، فلم تتأخّر في دعوة (برلمانها) لمناقشة الوضع في (الجزائر) كما دعت للأمر نفسه (البرلمان الأوروبي) كأن (الجزائر) مقاطعة (فرنسية) وذلك لدعم عملائها، حتى في دعوتهم لمقاطعة الانتخابات الرئاسية، وقد انحاز صاحب (القلم) إلى صفوفهم، من دون أن يُقدم هو ولا الرهط الذين احتووه بديلا ولا اقتراحًا! إلا تكريس الفوضى (الجديدة) التي يتخبّط الوطن فيها منذ (10شهور)! تعرض عن (الانتخابات) حتى (أنت) يا صاحب القلم الذي تهاوى؟ أعطنا اقتراحك! (العملاء) يعرفون أنهم ممقوتون وطنيا! فلا تهمهم إذن إلا الفوضى! هات (البديل) الواقعي المعقول! أم أنك لا تحسن إلا الوصف وتسويق مواقف الذين احتووك ؟ احتلوك! فما ذا جرى لك يا (سعد)؟

هاهنا يكون الفرز! هنا سقط قلم! ما تصوّرت قطّ سقوطه في الانحياز لقوى الشرّ العرقي والجهوي والعمالة للاستعمار، وقد استمالته في (الإفساح) وقد عانى سابقاً في التّموقع!

يا للخسارة! خسارة قلم! ذي نضال وطني طويل! تمحوه إرادة أتباع الاستعمار وقد احتووه في بضعة شهور! ما أبشعه سقوطًا! ما أعظمها خسارة! من غير مبرّر عابر كقلة فهم أو سوء تقدير! يستحقّ فعلا قصيدة رثاء!

E-Mail: [email protected]

 

العلامات
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X