مهمة مستحيلة أمام الحكومة اللبنانية المرتقبة
الشارع اللبناني يطالب برحيل كل وجوه الطبقة السياسية وتشكيل حكومة تكنوقراط
تهدئة غضب الشارع ليس بالأمر الهين في ظل تفاقم الفقر والأزمة الاقتصادية
الأجواء المحيطة بالمشهد اللبناني تؤشر إلى أنّ رئيس الوزراء المُكلف حسان دياب أمام مهمة شاقة وطريقه مزروع بمجموعة ألغام معقّدة التفكيك، بحيث إن أحد الكتّاب في صحيفة لومانيتيه الفرنسية وصف مهمة رئيس الوزراء الجديد حسان دياب لتهدئة غضب الشارع اللبناني بأنها مستحيلة، مشيراً إلى تفاقم نسب الفقر في البلاد بمرور كل يوم نظراً لتعطل الحياة الاقتصادية. وقال الكاتب مارك دو ميرامون في تقريره الذي نشرته الصحيفة الفرنسية إنّ لبنان ظل وفيّاً لنظام حكمه الطائفي دون أي تغيير على الرغم من بروز حراك غير مسبوق في البلاد منذ 17 أكتوبر الماضي. وأشار الكاتب إلى ما سماها مفارقات أحاطت بتكليف دياب بتشكيل الحكومة الجديدة، مثل الاحتجاجات في مدينة طرابلس ذات الأغلبية السنية رغم أنه سني، وعدم دعم الكتلة البرلمانية السنية له مقابل دعمه من الكتلة البرلمانية لحزب الله الشيعي وحلفائه. وأضاف الكاتب أن الشارع اللبناني يطالب برحيل كل وجوه الطبقة السياسية وتسليم مهام الدولة إلى حكومة تكنوقراط تتولى مهمة إخراج لبنان من بحر الفساد. وقال دو ميرامون إن مهمة دياب تبدو مستحيلة نوعاً ما، حيث يواجه من جهة احتجاجات الشارع ورفض جزء من الطبقة السياسية اللبنانية لتسميته، ومن جهة أخرى يجد نفسه في عداء مع الولايات المتحدة، فقد وقفت واشنطن إلى جانب الحركة الاحتجاجية في لبنان بهدف إضعاف حزب الله. وتوقع الكاتب أن يتجه لبنان في الوقت نفسه وبخطى سريعة نحو الهاوية، حيث إن الوضع الاقتصادي- الذي تأثر سلباً بالعقوبات الأمريكية- يتدهور يوماً بعد يوم. ولفت الكاتب الانتباه إلى أن البنك الدولي يتوقع أن ترتفع نسبة الفقر المنتشر بين ثلث اللبنانيين إلى 50%، خاصة أن مئات الآلاف خسروا وظائفهم منذ بداية الاحتجاج.
في غضون ذلك، تطغى الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق على المشهد السياسي للبنان دون حل في الأفق. وتمتلك بيروت ثالث أعلى نسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم، حيث تتجاوز النسبة 150 %، مع مخاوف من التخلف عن سداد الديون السيادية، لاسيما مع بدء استحقاق دفع السندات الرئيسية في مارس 2020. ويعتمد اقتصاد البلاد بشدة على القطاع المصرفي الذي تعوقه العقوبات الأمريكية الجزئية. وتؤثر المخاوف من الاضطرابات على قطاع السياحة الحيوي، فيما يضيف أكثر من مليون لاجئ سوري المزيد من الضغوط على الاقتصاد.
وبينما كان لبنان في الماضي قادراً على الاعتماد على الإنقاذ من الحلفاء للحفاظ على الاقتصاد واقفاً على قدميه، فإن المجتمع الدولي فقد إلى حد كبير شهيته لتقديم المال الذي لا ينتج الاستقرار على المدى الطويل. وتأتي المساعدات الإضافية اليوم مشروطة بالإصلاح الاقتصادي مع جرعة محتملة من التقشف. ولكن حتى هذا المسار القاسي يحتاج إلى حكومة مستقرة وجمهور يثق فيها بما يكفي للسماح بإجراء بعض الإصلاحات. ومع تولي «دياب» القيادة، فسوف تكون هذه الأهداف جميعاً بعيدة المنال.
ومن جانب آخر بدأ رئيس الحكومة اللبنانية المكلف حسان دياب استشارات مع الكتل النيابية لتشكيل حكومة جديدة. ولا يعني تكليف رئيس للحكومة أن ولادتها ستكون سهلة في بلد يحتاج أحياناً إلى أشهر عدة للتوافق على تقاسم الحصص بين مكوناته، ولا تجمع القوى السياسية فيه حالياً على شكل الحكومة المقبلة أو على مشاركتها فيها، فيما يطالب المتظاهرون في الشارع بتشكيل حكومة اختصاصيين من خارج الطبقة السياسية بالكامل. وتأمل القوى السياسية أن يفتح تشكيل الحكومة الباب أمام تقديم المجتمع الدولي مساعدات ملحة يحتاجها لبنان لتفادي انهيار اقتصادي أكبر، في بلد يعيش ثلث سكانه تحت خط الفقر ورجّح البنك الدولي أن يرتفع إلى نحو خمسين في المئة، ويشهد أزمة سيولة حادة وارتفاعاً بأسعار المواد الرئيسية.