الحوكمة في الشركات المساهمة القطرية
الارتقاء بأسواق رأس المال وحمايتها من التقلبات
ضبط الأداء واستثمار رؤوس الأموال في مشروعات تدعم الاقتصاد

تصدرت حوكمة الشركات اهتمامات كافة المؤسسات والمنظمات الدولية، على إثر سلسلة الأزمات المالية والاقتصادية التي تعرضت لها كثير من الشركات في دول شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية. وكان السبب الرئيسي وراء هذه الأزمات تفشي الفساد المالي والإداري، ونقص الإفصاح والشفافية، وعدم إظهار البيانات والمعلومات الحقيقية التي تعبر عن الأوضاع المالية للشركات، وافتقار إدارات الشركات إلى الممارسة السليمة للرقابة والإشراف.
وقد نتج عن هذه الأوضاع مجموعة من الآثار السلبية من بينها ضياع حقوق المستثمرين وأصحاب المصالح، وعدم قدرة الشركات على توليد تدفقات نقدية بسبب ضياع ثقة مستخدمي القوائم المالية في المعلومات المحاسبية عند اتخاذ القرارات الاستثمارية. ومن هنا أخذت المؤسسات المالية الدولية في التفكير لوضع مجموعة من القواعد والمعايير أُطلق عليها مصطلح «حوكمة الشركات» وذلك بهدف حماية حقوق أصحاب المصالح والمساهمين، وتوفير الرقابة القوية، وزيادة فعالية الأداء، ومنع التلاعب، والحد من الفساد.
ويعود تطبيق مبادئ الحوكمة السليمة بمجموعة من الفوائد على الشركات منها: الفصل بين الملكية والإدارة، وتعظيم أرباح الشركات، وتحسين الموقف التنافسي للشركات ومساعدتها على جذب المزيد من الاستثمارات، ومحاربة الفساد، والحد من مخاطر الأزمات المالية، وتحقيق المساءلة المحاسبية لإدارة الشركة، وتوفير الإدارة السليمة للمخاطر مما يمنح الشركة الفرصة لتجنب هذه المخاطر وتقليل الأضرار والتكاليف الناتجة عنها، تحسين أداء الشركات وتخفيض تكلفة رأس المال، وتحقيق علاقات أفضل بين جميع الأطراف ذات المصلحة، وتأكيد التفاعل بين الأنظمة الداخلية والخارجية المنظمة لأعمال الشركات، والمساعدة على النمو المستدام وتشجيع الإنتاجية، وتحقيق استقرار الشركات وتجنب حدوث انهيارات في أسواق المال المحلية والعالمية والأجهزة المصرفية.
وتعتبر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD من أولى المنظمات التي اهتمت بموضوع الحوكمة. وتعرف المنظمة الحوكمة بأنها: «مجموعة من العلاقات بين مجلس إدارة الشركة ومساهميها والأطراف الأخرى ذات المصلحة داخل الشركة، وهذه العلاقات تعتبر الهيكل الذي يتم من خلاله وضع أهداف الشركة والأدوات والأساليب اللازمة لتحقيق أهدافها ومن ثم أساليب الرقابة وتقييم الأداء فيها». وفي دولة قطر تعمل هيئة قطر للأسواق المالية على تطبيق الحوكمة في الشركات المساهمة من خلال إدارة الحوكمة والإفصاح التي تتألف من قسمين هما: قسم الحوكمة وقسم الإفصاح. وأصدرت هيئة قطر للأسواق المالية، نظام حوكمة الشركات والكيانات القانونية المدرجة، في السوق الرئيسية بنظامه المعدل عام 2016. وجاء النظام متوافقاً مع أفضل النظم الدولية والإقليمية في الحوكمة، وقد روعي في صياغة هذا النظام إرساء مبدأ الشفافية، وتحمل المسؤولية والإقرار بها، وتحقيق العدالة والمساواة. وذلك إيماناً من الهيئة بأهمية الحوكمة في إدارة الشركات المساهمة وسائر الكيانات القانونية الأخرى المدرجة في الأسواق المالية. وتمت صياغة «نظام حوكمة الشركات والكيانات القانونية المدرجة في السوق الرئيسية» في (42) مادة، مقسمة على سبعة فصول، وتحدد هذه المواد نطاق تطبيقه، وأحكام الالتزام بمبادئ الحوكمة، ومضمون تقرير الحوكمة، وأحكام وشروط الترشح لعضوية مجلس الإدارة، وتشكيل مجلس الإدارة، وحظر الجمع بين المناصب، ومهام المجلس ومسؤولياته، ومهام رئيس المجلس وأعضائه وإجراءاته، ومهام وواجبات أمين السر، وتشكيل لجان المجلس وأحكام عضويتها واختصاصاتها، وأحكام الرقابة الداخلية والخارجية وإدارة المخاطر بالشركة، وأحكام الإفصاح والشفافية، وحقوق المساهمين في الحصول على المعلومات والمشاركة في الجمعية العمومية والتصويت وتوزيع الأرباح وانتخاب أعضاء مجلس الإدارة، وتنظيم حقوق المجتمع وأصحاب المصالح من غير المساهمين في ضوء مبدأ إعلاء المصلحة العامة والمساواة في الحقوق بين أصحاب المصالح. وطبقاً للنظام تراقب هيئة قطر للأسواق المالية مدى التزام الشركات بتطبيق هذه المبادئ. وبذلك تعمل هذه المبادئ على الارتقاء بأسواق رأس المال القطرية وحمايتها ضد أي تقلبات أو اضطرابات مالية، وضبط أداء الشركات المساهمة لما لها من أهمية كبيرة في الازدهار الاقتصادي الذي تمر به دولة قطر واستثمار رؤوس الأموال الوطنية في مشروعات لها قيمتها الاقتصادية الكبيرة.
باحث اقتصادي
www.halsayed.com