
شكّلت أسطورة (تموز وعشتار) واحدة من أهمّ الركائز الثقافيّة في حضارة بلاد الرافدين. قامت الأسطورة حول قصّة حب كان بطلاها الإله دموزي «تموز» والإلهة عشتار «إنانا السومرية» آلهة الحب والجمال والخصب، وشهدت علاقتهما أحداثًا وانعطافات أدّت إلى تشكل فصول السنة بما تأتي به من تقلبات وتحوّلات. بدأت القصة حينما وقع نظر الراعي تموز على عشتار التي اشتهرت بجمالها الباهر، وكان ضحاياها من الملوك الذين تتركهم يبكونها ليل نهار، إلى أن رآها الراعي فسلبته لبّه، فتوجّه إلى أخيها «أتو» إله الشمس طالبًا يدها، وأُعجب أخوها بشخصية تموز، لكنها كانت تحب رجلًا آخرَ يعمل بالفلاحة اسمه «أمدو» كانت ترى فيه من الخير والبركة ما يملأ المخازن بالحبوب، فأخبرت أخاها برفضها الزواج من الراعي تموز ذي الثياب الخشنة. جمعت المصادفة بين الراعي تموز والفلاح أمدو، فالتقيا على ضفاف أحد الأنهار ودار بينهما جدال محتدِم، فما كان من أمدو إلا أن ساير مشاعر تموز تجاه عشتار وتقبّلها فأصبح الرجلان صديقَين، وبعد ذلك جمع بين عشتار وتموز لقاء تمكن خلاله من البوح بالمشاعر التي يفيض بها خافقه تجاهها وطلب منها قَبول الخطوبة، لكن عشتار التي عُرف عنها اختلافها عن باقي النساء قرّرت ترك عالمها العلوي واختارت النزول إلى العالم السفلي، ولم توضح نصوص الأسطورة سبب اتخاذها ذاك القرار، لكنها كانت على علم بما ينتظرها في ذلك العالم الرهيب حين أمرت خادمها الأمين أن يذهب إلى معابد آلهة الهواء والقمر والحكمة ليطلب منهم حمايتها أثناء وجودها في العالم السفلي. اجتازت عشتار أبواب العالم السفلي السبعة وعند الباب الأخير كان لها موعد مع الموت فتحوّلت إلى جثة هامدة، وأثناء وجودها في العالم السفلي وموتها، ولكونها آلهة الخصب وتجديد الحياة، فقد أصابت الأرض كوارث خطيرة جراء موتها، فابتعد الذكر عن أنثاه، وتوقفت عجلة التكاثر، وهذا ما دفع خادمها للاستنجاد بالآلهة التي تمكنت من إعادة الحياة إلى عشتار بعد ثلاثة أيام من أسرها، لكن قضاة العالم السفلي وضعوا شرطًا لخروجها من عالمهم وهو تقديم شخص بديل لها، فوقع الاختيار على دموزي «تموز» ليكون ذلك البديل فسلمته عشتار للشياطين، حيث لم يُجدِ استنجاده بالإله «بعل» الذي مكّن الشياطين من أسره، فأخذ يقول تموز: «أقيمي المراثي أيتها المروج، أقيمي المناحة، أقيمي العزاء، ولتذرف عيناي الدموع على المروج». عاد تموز إلى الحياة من جديد، جاء ذلك في العديد من الأساطير التي وردت في النصوص السومرية والبابلية، فقد تحدثت أسطورة الخلق البابلية عن قيام عشتار بتحرير تموز (الذي تتم الاستعاضة عنه بالإله مردوخ) من أسره بعد مضي أيام من البكاء والعويل والمراثي والحزن، حيث يخرج في النهاية منتصرًا على قوى الشر والظلام.