فنون وثقافة

جسر بيتشوجين

بقلم: الكاتب الروسي إ . بيرمياك 

في الطريق إلى المدرسة، تعوّد جماعة من التلاميذ الحديث عن المآثر.

قال الصبي الأول: ما أروع إنقاذ طفل من الحريق !

وتخيل الثاني: أروع منه اصطياد أكبر كركي ..على الفور يعرفه الناس جميعاً.

وقال الثالث: أروع من هذا كله أول من يطير إلى القمر، فإن العالم كله سيعرف صاحبه !

لكن ( بيتشوجين ) لم يفكر في شيء من هذا. فقد كان فتى هادئاً، صامتاً. ومثل باقي زملائه، كان بيتشوجين يفضل الذهاب إلى المدرسة من طريق قصير عبر نهر صغير عند شاطئ شديد الانحدار وكان عبوره وثباً من أصعب الأمور.

في العام الماضي، لم يتمكن تلميذ صغير من القفز فسقط في الماء، وما زال يرقد في المستشفى. وفي هذا الشتاء، عبرته فتاتان في الجليد فعثرت أقدامهما عليه. وهكذا تعالت الصرخات منه. وحرمت جماعات التلاميذ الصغار من استخدام هذا الطريق القصير. وكم يكون المسير مرهقاً وطويلاً، عندما يوجد طريق آخر قصير!

وها هو بيتشوجين يفكر.. ويهتدى أخيراً إلى ضرورة قطع صفصافة قديمة من هذا الشاطئ ليسقطها على الشاطئ الآخر. وكانت لديه « بلطة « جيدة، مشحوذة من عهد جده، فراح يقطع في الصفصافة وقد اتضح بعد قليل أن هذا عمل غير سهل . فقد كانت الصفصافة غليظة جداً، لا يمكن لإنسان واحد أن يضمها بذراعيه الاثنتين. لكنها بعد يومين من العمل المتواصل سقطت.. راقدة عبر النهر الصغير ثم كان على بيتشوجين أن يشذب فروع الصفصافة التي تعوق المسير ،وتشتبك تحت قدميه لكنه – بعد أن قطع الفروع – وجد أن السير أصعب، لأنه لم يكن هناك شيء يمكن الاستناد إليه، خاصة عندما يسقط الجليد.. وقرر بيتشوجين أن يركب سوراً من أعواد الخشب.

وهكذا ظهر جسر جديد. ولم يعد التلاميذ فقط هم الذين يستخدمونه وإنما كل سكان المنطقة عندما يعبرون من قرية إلى قرية أخرى، بواسطة طريق قصير. حتى إن أولئك الذين كانوا يستخدمون الطريق غير المباشر، كان يقال لهم:

– هل تريدون أن تقطعوا مسافة سبعة آلاف متر ! اذهبوا مباشرة عن طريق جسر بيتشوجين. وعندما تآكلت الصفصافة، وأصبح المسير عليها محفوظاً بالمخاطر استبدل بها أهالي القرى المجاورة جذع شجرة أخرى جيدة.. لكن بقي الاسم الأسبق للجسر، وهو: بيتشوجين.

ثم لم يلبث هذا الجسر أن تغيّر، وأصبح طريقاً معبداً، وعبر النهر السريع، امتد الطريق، في نفس مكان ذلك الممر الصغير، حيث شيدت الحكومة جسراً كبيراً، ارتفعت على جانبيه قوائم من حديد الزهر. وكان من الممكن أن يطلق على هذا الجسر الضخم اسماً كبيراً. لكن أحداً لم يفكر على الإطلاق في أن يطلق عليه أي اسم آخر سوى: جسر بيتشوجين!.

وبهذه الطريقة وحدها، يمكن أن يصبح للإنسان اسم في الحياة!.

العلامات
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X