المنتدى

ماكرون «فارد» جناحيه!

في باريس عامله ناخبون فرنسيون بحدة وخرجت ضده مظاهرات السترات الصفراء وفي بيروت استقبل بالطبل البلدي

بقلم – سليم عزوز:

لو كان عربيًا، لتذكر في هذه اللحظة مقولة: «مزمار الحي لا يطرب»!

ف «إيمانويل ماكرون»، استقبل في بيروت استقبال الفاتحين الكبار، وطلب منه لبنانيون النجدة، وارتمت لبنانية جميلة في أحضانه بحثًا عن الأمان، غير عابئة بانتشار وباء كورونا، وفي لحظة تخلص فيها هو من حذره الذي كان قبل قليل قائمًا عندما التقى بالرئيس اللبناني ميشال عون. وهو من يعامل في بلاده على أنه خطأ مطبعي، وأن فوزه بالانتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة هو أحد عيوب الديمقراطية التي جاءت به كما أفرزت ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية!

في باريس عامله ناخبون فرنسيون بحدة، وخرجت ضده مظاهرات السترات الصفراء، وفي بيروت استقبل بالطبل البلدي، وطُلب منه في وثيقة موقعة من حوالي أربعين ألف لبناني بعودة الانتداب الفرنسي لبلادهم، ضعف الطالب والمطلوب!

ربما في هذه اللحظة تمنّى ماكرون أن يكون رئيسًا للبنان، تمامًا كما بدا صدر الرئيس الأمريكي ضيقًا حرجًا وهو يرى دورة انتخابية لم يستمتع بها، في الحكم وقد تسربت من بين يديه، وقضاها في مشكلات لا تنتهي، وها هي توشك على النفاد بما لم يكن على البال أو الخاطر؛ حيث أزمة كورونا، ودّ لو كان بإمكانه أن يكون رئيسًا عربيًا فيعدّل الدستور ليعيد شحن رصيده، إن لم يتمكن من تحويل المدتين إلى مدد، لكن عدم قدرته على ذلك هو أمر كاشف عن رسوخ الديمقراطية الغربية، القادرة على حل كل المشكلات الناتجة عنها، فيُحتج على ماكرون في وجهه وإلى حد الإهانة، وشعار من يهينه أن يردد ما قاله أحمد مطر: «أنا الوطن»، وإذا كانت الديمقراطية أفرزت ترامب، فإنه لا يستطيع أن يقلد ديكتاتوره المفضل بتعديل الدستور ليبقى في الحكم، ربما لينتقل من البيت الأبيض، إلى مقابر الأسرة في واشنطن!

بيد أن ما لا يدركه ماكرون أن هذا الاستقبال الأسطوري له في بيروت لا يرتب له أي قيمة مضافة، فهو غضب من الطبقة السياسية التي تحكم البلاد، والتي تحوّلت إلى جزء من الأزمة بعد أن طال عليها الأمد، وبعد أن كان الاتفاق الذي جاء بها لتخطي الرقاب هو الحل لأزمة أوشكت أن تقضي على الأخضر واليابس!

ولا يمكن للمرء أن يؤاخذ الذين استقبلوا ماكرون بكل هذه الحفاوة، أو طالبوا بعودة الانتداب الفرنسي، فهذا نتاج حالة الغضب والشعور بالعجز واليأس في مواجهة نظام حكم يفرض فشله، بل واستمر عجزه حتى في مواجهة ماكرون!

عندما تحدث الرئيس الفرنسي عن المساعدات التي ستقدّمها بلاده للبنان، كان طلب إحدى اللبنانيات ألا يقدم المساعدات للحكومة اللبنانية لأنها من اللصوص، وإذا كان كلامها له مبرره في حالة الغضب هذه، فإن ماكرون خرج على قواعد اللياقة، وهو يؤمن على كلامها ويسلم بأنها حكومة لصوص، ويصل هذا الاتهام إلى أذن الرئيس اللبناني فيخترقها، لكنه لا يصدّ ولا يردّ، وقد بلع الإهانة، وإذا كان الموقف المشحون لا يتحمل ردًا، فقد كان عليه ألا يتجاهل الرد على ذلك بعد أن غادر المكان وتمكن من بلع ريقه.

إن الانفجار الذي تعرضت له بيروت وقدّرت خسائره بثلاثة مليارات دولار، هو نتاج إهمال وربما يجمع بين الإهمال والضعف، إن كانت هذه المخازن مملوكة فعلًا لقوى لبنانية أخرى، وما تؤاخذ عليه يمتد إلى الحكومات السابقة، فهذه المخازن ليس عمرها من عمر الحكومة الحالية، ولكنها منذ عدة سنوات وقبل تشكيلها، فكيف أمكن للحكومة السابقة أن تسكت عن وجودها وسط المدينة ووسط البنايات وهي ممتلئة بنترات الأمونيوم شديدة الاشتعال؟!

المؤسف حقًا، أنه حتى كتابة هذه السطور، لم تتوصل لجان التحقيق الحكومية إلى نتيجة وإجابات عن الأسئلة المطروحة، ومن بينها هل الانفجار تم لسوء التخزين أم بفعل فاعل، وهذا العجز قد يفتح الباب لتدخلات خارجية، ومتى توقفت التدخلات الخارجية في الشأن اللبناني، حتى يدهشنا الحديث عن لجنة تحقيق دولية، يبدو أن الحكومة بعجزها ستمكنها من ذلك، ليكون هذا الحضور لماكرون ليس غريبًا، لا سيما تصرفه كما لو كان وزير المستعمرات جاء لتفقد أحوال الرعية في واحدة منها؟!

ويبدو أن المستقبلين لماكرون، والمطالبين بعودة الانتداب الفرنسي، شعروا في لحظة يأس، أنه إذا كان لا بد من فرض حكم على البلاد، فإن الأصيل هو الأولى من الوكيل، وقد بدأت الشعوب تكتشف أنه لم يحدث استقلال حقيقي، فقد كان من أهداف ثورات الاستقلال؛ القضاء على الاستعمار وأعوانه، وقد انتبهت الشعوب إلى أن رافعي هذه الشعارات هم أعوانه!

ولقلة الوعي اللازم في إدارة شؤون المستعمرات، فإن ماكرون يلعب كما ترامب، على المكشوف، ولذا فقد تصرّف على هذا النحو الذي يفتقد للدبلوماسية واللياقة، وهو يقف على تراب وطن من المفروض أنه لم يعد خاضعًا للاحتلال الفرنسي!

لا بأس، فالتمدّد الفرنسي في المستعمرات القديمة، ومن ليبيا إلى لبنان يقابل بحضور تركي يحدّ من حركته ويحاصره ويفقده مفعوله، وقد جاء إلى بيروت نائب الرئيس التركي ووزير الخارجية، واستقبل هناك استقبالًا حافلًا، وإن كان لم يأت على قواعد المحتل، فهو يعلن أنه الحاضر لدعم لبنان بما يحتاجه في مواجهة الأزمة وإعادة الإعمار!

فلعل هذا الحضور التركي خيّب آمال ماكرون وجعله يفيق ولو جزئيًا من أحلام اليقظة وأنه قد يكون الجنرال نابليون بونابرت، وإذا كان هناك من استقبلوه بحفاوة فقد استقبل غيرهم ممثل الرئيس التركي.

مسكين ماكرون لا تكتمل له سعادة، ولا تستوي له سفينة على الجودي، فلن يعود من جديد «فاردًا جناحيه».

فذراعاه لا تكفيان لكل لبنان!

كاتب وصحفي مصري

[email protected]

العلامات
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X