المنتدى

ملهاة الانتخابات الرئاسية الأمريكية

مسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية يؤشر على نهاية دور الولايات المتحدة كقيادة دولية

بقلم – توجان فيصل:

مسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية يؤشر على نهاية دور الولايات المتحدة كقيادة دولية تستند لديمقراطية داخلية، ما سيحد من تغولها على العالم الثالث وعلى فرص قيام ديمقراطيات فيه.. شيء أشبه بانتقال عدوى أسوأ صنوف الدكتاتورية المتوحشة لها، لكثرة ما سوقت وباءها بجحافل جيوشها التي بزت غزاة القرون الغابرة بجرائمها. ونظرة سريعة لطيف جرائمها ما بين قصف هيروشيما وناجازاكي، وقتل آلاف المدنيين بالجملة، ولمذابحها وطقوس تعذيبها للمدنيين العزّل في العراق -بالجملة أيضًا والأسوأ فردًا فردًا- مما لم يعد يتاح منذ عقود في مسالخ البقر والخراف وحتى الدجاج.. ولما يجري الآن في قلب أمريكا تحت مسمى انتخابات رئاسية، تؤكد أن الوباء قد تمكن من ناشريه وفي عقر دارهم.

صحيح أن هنالك انتخابات في أمريكا جلها نزيه، ولكن الترشح لها أصبح أبعد ما يكون عن النزاهة بقدرة قادرين، أحكموا طوق مصالحهم على أعناق ليس فقط عامة الناخبين، بل أيضًا على أعناق قيادات شريفة دقت جرس الإنذار فأحكم الطوق عليها..كما جرى لمشروع المرشح الرئاسي الإصلاحي بيرني ساندرز. أما لماذا قبل ساندرز سحب ترشحه بأوامر حزب لم يعد يمثله ولم يعد مصدر قوة بل مصدر اضطهاد له، فلا يمكن فهمه.. اللهم إلا إذا استعدنا حيثيات اغتيال الأخوين كينيدي، الرئيس جون والمرشح الرئاسي الأقوى روبرت من بعده، وما تلا من تصفية سريعة لمن زعم أنهم القتلة بحيث لا تتوفر أية معلومات للمحققين الرسميين والباحثين المستقلين.

ولكن تدهور سوية المرشحين بما يشي بأنهم واجهة لمصالح أعمق وأخطر لايريد أصحابها الظهور، يتبدى في قبول الجمهوريين إعادة ترشح ترامب، فيما هم يجهدون لمنعه من التصريح والتعليق فيتسلل بتغريداته التي تحرجهم..بمعنى أنه ليس حصان السبق بل هو محمول على عربة الحزب، مقيدًا بها ما أمكن. ومقابله يرشح الديمقراطيون جو بايدن الذي مؤهله لا يزيد عن كونه»مشعل حروب» غائص في دماء العراقيين ويعلن صراحة أنه مستعد لتكرار حروب أخرى شبيهة. والأكثر إثارة للعجب وللشكوك أن بايدن مصاب بالخرف. ولهذا استغلت ظروف انتشار وباء كورونا لتحاشي أي اتصال مباشر له مع الناخبين. ولكن في مرحلة متقدمة وحاسمة لأصوات الناخبين ستجري لزاما مناظرة بين المرشحين، ويصعب تصور كيف سيجري وضع إجابات على لسان بايدن لمنع تبين درجة تفاقم مرضه.. إلا إذا كانت المراهنه على تهور ترامب في إجاباته بأكثر من منافسه.

ومرض المرشح المحتم تفاقمه يؤشر على غلبة دور نائبته وصولا- على الأرجح- لتوليها الرئاسة. واللافت أن من ستهدى منصب الرئاسة «بالتسلل» هكذا، ليست من كبار قادة الحزب الديمقراطي، بل هي اختيرت لإكمال صورة تتضمن لون بشرة المرشحة المؤشر على أصولها العرقية، وأيضًا لديانة زوجها اليهودية، لتحوز رضا الملونين والقطاع الواسع من البيض الذين يرفضون التمييز ضد كامل طيف الملونين، ولتحوز رضا اللوبي الصهيوني المتنفذ في أمريكا. ومثله فعل ترامب بإطلاق يد صهره اليهودي وتحويل الأمر «لحكم عائلة» مع أنسبائها، مما لا يتوفر لولي عهد في ملَكية دستورية أو حتى في ملكية مطلقة ! كل هذا يناقض طبيعة الحكم في أمريكا، الذي يستند لدستور من أعرق الدساتير وأكثرها ديمومة، إذ لم تطله طوال اعتماده لأكثر من قرنين إلا بضعة تعديلات إيجابية كونها معززة لحقوق المواطنين حصريًا. وهكذا مثالب جارية في ترشيحات وحتى في حكم الحزبين، تؤشر على حكومة أو رئاسة ظل غير معلنة في كلا الحزبين، والذي هو خرق صريح للدستور الأمريكي.

وهذا ما لا يمكن أن يجري لولا تفشي الجهل السياسي في أمريكا، ومن دلائله ارتفاع نسبة الأمية فيها بأكثر من عديد دول عالمثالثية تسيطر أمريكا عليها. ولكون دور الشعوب التي كانت عالمثالثية بدأ يتعاظم في ظل الثورة الرقمية والتي خرقت حتى حواجز الأميّة، فإن مجال الهيمنة التي أورثتها بريطانيا للولايات المتحدة بعد تقلص إمبراطورية الأولى وعودتها لحدود جزيرتها بسيادة منقوصة حتى على بعض مكونات أرخبيلها..هذا المجال سيضيق أكثر بانشغال أمريكا بتبعات تدهور ديمقراطيتها لهكذا حال، وسيصب لصالح تكتلات آسيوية من مختلف الأعراق والأديان والمذاهب، تتعايش سلمًا -دونما حاجة للترقيع بأصهار ودمى سياسية- مع تكتل الاتحاد الأوروبي الممثل الأكثر أحقية لما كان «المعسكر الغربي» .

كاتبة أردنية

العلامات
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X