يُعد الفساد من أقدم الممارسات التي عرفتها البشرية. وكانت وراء انهيار العديد من الأمم والحضارات، ولذا فهو ظاهرة لا تقتصر على أمة دون غيرها. ويقع الفساد نتيجة وجود خلل ما سواء على مستوى الأنظمة أو القوانين أو لصفات أخلاقية سيئة في ممارسيه.

ويزداد الفساد ويظهر بأشكال وأنواع مختلفة مع زيادة المشاكل والتراجعات في الدول واقتصادياتها، ويمتد تأثيره ليشمل الأفراد والمؤسسات والدول. وقد ازداد هذا التأثير نتيجة العولمة والتطور التكنولوجي الذي يساعد على السرعة في التنفيذ والانتشار.

ونتيجة لتعدد صور الفساد فقد أصبحت هذه الظاهرة أكثر صعوبة في مواجهتها ولا تستطيع الدولة بمفردها كبحها، بل لا بد من تضافر كافة الجهود وتكاتف المجتمع للحد من آثاره، إذ لا يمكن الجزم بأن هناك مجتمعًا يخلو من الفساد، لكن تتفاوت الدرجات حسب قدرة كل مجتمع على المواجهة.

ويُعرف الفساد في الاصطلاح على أنه خروج الشيء عن الاعتدال، أو هو العدول عن الاستقامة إلى ضدها أو هو التغير عن المقدار الذي تدعو إليه الحكمة. وبذلك يمكن القول إن الفساد هو الشر والانحراف. وبناء على هذا التعريف تتعدد أنواع الفساد ومجالاته، حيث يطال كافة نواحي الحياة فقد يكون: سلوكيًا، عقائديًا، ماليًا، إداريًا، اجتماعيًا، سياسيًا، أخلاقيًا …الخ.

وكما تتعدد صور الفساد تتعدد أيضًا أسبابه ومنها: عدم الفصل بين السلطات، تدنّي الرقابة، ضعف التشريعات والقوانين، ضعف الإرادة السياسية، ضعف السلوكيات الأخلاقية، سوء الأحوال الاقتصادية. وينتج عن الفساد العديد من المضاعفات والآثار الضارة لكافة مكونات المجتمع. فهو يعمل على: إعاقة النمو الاقتصادي وتعطيل أهداف خطط التنمية، هروب الاستثمارات الوطنية للخارج، إضعاف مستوى الجودة في البنية التحتية، انخفاض الإيرادات العامة للدولة، تباين توزيع الدخل والثروة، زيادة الفجوة بين الطبقات، زيادة البطالة والفقر وقلة فرص العمل، هجرة الكفاءات الاقتصادية، التأثير على استقرار الأوضاع الأمنية والسلم الاجتماعي، خلخلة القيم الأخلاقية، زيادة الصراعات والخلافات في جهاز الدولة، الإساءة لسمعة النظام السياسي وعلاقاته الخارجية، تراجع ثقة أفراد المجتمع بالقانون ومؤسسات الدولة.

وفي الآونة الأخيرة نلاحظ أن الكثير ينادي بمحاربة الفساد حتى أصبح قميص عثمان والكل يطالب بالقصاص من القتلة، دون الأخذ بالحكمة في إدارة أزمة الفساد، إذ لا بد من ترك الأمر للحكومات وأجهزتها في وضع منهجية سليمة للقضاء على هذه الظاهرة لأن مكافحة الفساد ليست مجرد شعارات ودعايات إعلامية، بل الأمر يحتاج إلى استراتيجيات متكاملة ومدروسة، تأخذ بعين الاعتبار التشخيص العلمي للظاهرة ودراسة جميع جوانبها، وتحديد المفهوم، كما تستدعي الوقوف على أسباب انتشاره، وتوضيح أبرز صوره وأشكاله، والآثار المترتبة عليه، وسبل مكافحته، وتهيئة الرأي العام وبناء إدارة سياسية لمواجهته. وتكمن المواجهة من خلال خطة قصيرة الأجل تتلخص في وضع الإجراءات والتشريعات وتحديد الهيئات المنوط بها تطبيقها، أما خطة طويلة الأجل فتتمثل في النهوض بالمجتمع وأفراده وقوانينه لتكون جاهزة للردع والمقاومة في أي وقت.

وقد عملت دولة قطر على محاربة الفساد بكل جدية واحترافية من خلال الإجراءات التشريعية والتنظيمية والتنفيذية، إضافة إلى التعاون الدولي للوقوف على الأساليب الحديثة والآليات المتطورة لمكافحة الفساد. وبذلك استطاعت الدولة رسم استراتيجيات متكاملة ومدروسة، لمكافحة هذه الظاهرة تأخذ بعين الاعتبار الإلمام بكافة جوانبها وأسبابها وآثارها وسبل مكافحتها وتعزيز أخلاقيات المجتمع وترسيخ إدارة سياسة لمواجهتها.

ولتعزيز جهودها الدولية في مكافحة الفساد أطلقت قطر «جائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد» ، عام 2016 والتي تؤكد على التزام قطري بتعزيز جهود المجتمع الدولي، لمواجهة الفساد وتداعياته العابرة للحدود.

ونتيجة لهذه الجهود تتقدم دولة قطر سنة عن الأخرى في مؤشر مدركات الفساد، حيث تبوأت المرتبة 30 عالميًا في عام 2019، متقدمة بذلك 3 مراكز عن العام السابق. ويؤكد ذلك نجاح قيادتنا الرشيدة في الحفاظ على القواعد الصحيحة في إدارة الدولة وتحقيق ريادتها وتقدمها على جميع الصُعُد.

باحث اقتصادي

[email protected]