كتاب الراية
الموت يغيب القائد الفذ وعميد الدبلوماسية وحكيم العرب

وداعاً أمير الإنسانية

والد الجميع سعى لرفعة وطنه ووَحدة الصف العربي حتى آخر نفس

الكويت شهدت في عهد الفقيد الكبير تقدمًا شاملًا في جميع المجالات

آخر تصريحاته تدعو لنزع فتيل الأزمات الإقليمية وخفض التصعيد بالخليج

تفقد علم قطر خلال القمة الخليجية .. موقف نبيل لن ينساه القطريون

حذر من مخاطر التصعيد بالمنطقة ودعا لحماية مجلس التعاون من الانهيار

الوجه البشوش مد يد بلاده بالخير لترسيخ التنمية والاستقرار والسلام

الكويت في عهده واحة لنشر السلام والعمل الإنساني ورأب الصدع العربي

الكويت تشهد لحظة تاريخية.. الأعين تدمع.. والأيادي تمتد بالمبايعة

رسخ دبلوماسية متزنة وعاقلة في المنطقة وقاد مبادرات إنسانية رائدة

سعى للم الشمل وحل الخلافات العربية العربية ودعم القضية الفلسطينية

ندعو الله أن يتغمد الراحل الكبير بواسع رحمته عما قدم لوطنه وأمته

بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره تلقى أهل قطر والخليج والعالم العربي والإسلامي، والعالم بأسره ببالغ الحزن والأسى نبأ وفاة المغفور له إن شاء الله صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة.

ولا شك أنّ البيان الأميري الذي نعى من خلاله حضرةُ صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، المغفورَ له بإذن الله تعالى صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة، قد لخص مشاعر كل مواطن قطري تجاه الوالد والقائد الفذ وأمير الإنسانية وقلب الخليج النابض وعميد الدبلوماسية وحكيم العرب الذي فقدناه.

فقد أكد سموه أنه بفقدان أمير الكويت، فقَدْنا برحيله قائدًا عظيمًا وزعيمًا فذًا اتسم بالحكمة والاعتدال وبُعد النظر والرأي السديد، كرس حياته وجهده لخدمة وطنه وأمته، والدعوة إلى الحوار والتضامن ووَحدة الصف العربي والدفاع عن قضايا أمته العادلة، ونبذ العنف والتطرف، وكان بحقٍ أميرًا للإنسانية. شهدت الكويتُ في عهده تقدمًا شاملًا في جميع المجالات.

كما أمرَ حضرةُ صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، بإعلان الحداد في الدولة لمدة ثلاثة أيام وتنكيس الأعلام.

كما نعى سموُه أميرَ الكويت بكلمات بليغة ومؤثرة في تغريدة عبر حسابه الرسمي على «تويتر»، ووصف فقيد الأُمة بوالد الجميع الذي فقد العالم برحيله منارةَ الإنسانية ورمزها، «باسم الشعب القطري وباسمي نعزي ولي العهد الشيخ نواف والشعب الكويتي الشقيق وأنفسنا في هذا الفقيد الكبير».

فمكانة الفقيد الكبير وذكراه العطرة ومواقفه السياسية الشجاعة وجهوده الإنسانية الرائدة ستظل محفورة في قلوبنا وعقولنا ونفوسنا أبد التاريخ.

وقد قضى الفقيد عقودًا في أروقة الدبلوماسية والسياسة حتى قبل توليه حكم بلاده بداية عام 2006، وظل منخرطًا بالأعمال اليومية وبالسياسة الإقليمية والدولية، حتى آخر نفس لخدمة وطنه وقضايا أُمته، داعيًا إلى نزع فتيل الأزمات الإقليمية، وخفض التصعيد في الخليج، ومواصلًا دورَه كوسيط نزيه لحل الأزمة الخليجية عام 2017.

سيرة ومسيرة

وُلد أميرُ الكويت الراحل في محافظة الجهراء شمالي غرب العاصمة، في 16 يونيو 1929، وهو أمير البلاد الخامس عشر، وفي عام 1954، عُين عضوًا في اللجنة التنفيذية العليا وهي معنية بمَهمة تنظيم مصالح ودوائر الحكومة ومتابعة خططها، وكان آنذاك لم يبلغ 25 عامًا، ثم تدرج بعد ذلك في تولي المناصب الحكومية.

وفي عام 1960، عُين عضوًا بالمجلس الأعلى الذي كان بمثابة مجلس وزاري يُدير أعمال الحكومة، وكان عضوًا في المجلس التأسيسي لوضع دستور الكويت أيضًا.. ومع صدور دستور 1962، تولى الشيخُ صباح الأحمد عدةَ حقائب وزارية أبرزها «الإرشاد» و»الإعلام»، وشغل منصب نائب رئيس الوزراء في مارس 1981 وحتى 9 فبراير 1982.

كما عُين رئيسًا لوفد الكويت لدى الأمم المتحدة والجامعة العربية، قبل أن يتولى عام 1963 حقيبة وزارة الخارجية التي ظلت بحوزته حتى عام 1991، وفي 14 مایو 1963 رفع علم الكویت فوق مبنى الأمم المتحدة بعد قَبولها عضوًا فيها.

وفي يوليو 2003 صار الشيخ صباح الأحمد رئيسًا لمجلس الوزراء الكويتي، قبل أن يتولى مقاليد الحكم في البلاد في يناير 2006، بعد مبايعة أعضاء مجلس الأمة له بالإجماع.

وسعى فقيدُ الأُمة إلى لم شمل الأشقاء وحل الخلافات العربية ودعم القضية الفلسطينية، عندما شارك في الستينيات من القرن المنصرم في اللقاء الذي نظمته الأحزابُ المتصارعة في اليمن مع ممثلي مصر والسعودية لوضع حد للحرب الأهلية اليمنية.

وعندما تدهورت العلاقاتُ حینها بین الیمنَین (الجنوبي والشمالي)، قام الراحلُ بزیارة إلیهما في أكتوبر 1972، إذ أثمرت جهودُه آنذاك عن توقیع اتفاقیة سلام بینهما.

في عام 1970، شارك في جهود تسوية الصراع المسلح الذي اندلع بين الجيش الأردني وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، كما سعى في عام 1971 إلى حل النزاع بين باكستان وإقليم البنغال.

كما أسفرت جهودُه من عام 1980 إلى 1984 عن توقيع سلطنة عُمان والیمن اتفاقیةً خاصةً بإعلان المبادئ، لإنهاء حرب إعلامیة وإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدَين.

وفي 1988، اختارته جامعةُ الدول العربية ليترأس اللجنة السداسية لتحقيق التوافق للأطراف المتنازعة في الحرب اللبنانية الأهلية.

وفي 1990، وقف العالمُ مناصرًا لحق الكویت مقابل عدوان العراق فيما عرف ب»حرب الخليج الثانية»، وصدر قرار مجلس الأمن في نوفمبر من العام ذاته باستخدام جمیع الوسائل بما فیها العسكریةُ ضد العراق ما لم یسحب قواته من الكویت.

وفي یونیو 2019، قام الأميرُ الراحلُ بزيارة رسمیة إلى العراق، كانت هي الأولى من نوعها إلى بغداد منذ 29 عامًا، ودشن خلالها عهدًا جدیدًا في مسیرة العلاقات على مختلف المستویات بین البلدَین.

وفي السنوات الأخيرة، برز دورُ الشيخ صباح الأحمد، في وساطة مجلس التعاون الخلیجي، وكان دائمَ الحديث عن أهمية تغليب وَحدة الصف الخليجي.

في قلب كل قطري

ويحظى الفقيدُ الكبيرُ بمكانة كبيرة في قلب كل قطري، خلال مسيرة العلاقات الأخوية المتميزة التي تجمع قيادتَي وشعبَي الدولتَين، حيث مثلت العلاقاتُ الأخوية الوثيقة بين حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، وأخيه صاحب السمو الراحل الشيخ صباح الأحمد ركيزة أساسية لتعزيز العلاقات وتقارب الرؤى والمواقف تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية، والتوافق على حماية ووَحدة مجلس التعاون الخليجي.

ولن ينسى أهلُ قطر عفوية الأمير الراحل حين اقترب من علم قطر خلال التقاط قادة الوفود المشاركة في القمة الخليجية ال 39 بالسعودية صورةً تذكارية عام 2018. وتوجه سموه ليتأكد من وجود علم قطر ومشاركة وفدها بالقمة التي عقدت في ظل استمرار أزمة خليجية مفتعلة ضد قطر وشعبها.

فقد وقف أمير الإنسانية لآخر نفس وعبر العديد من المحافل والمنصات الإقليمية والدولية، وخلال رحلاته المكوكية لحل الأزمة الخليجية، مدافعًا عن تماسك مجلس التعاون الخليجي خلال أزمة الحصار الجائر المفروض على دولة قطر، كما ساهم الفقيد الكبير في إيقاف مخطط غزو قطر بتأكيد سموه في مؤتمر صحفي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن سبتمبر ٢٠١٧ قائلًا «المهم أننا نجحنا في وقف أي عمل عسكري».

الوساطة الكويتية

وقد كانت الوساطةُ التي يقودها أميرُ الكويت الراحلُ منذ اندلاع الأزمة الخليجية محل تقدير قطري كبير بنوايا صادقة لرأب صدع البيت الخليجي دون شروط تمس السيادة والكرامة الوطنية.

وقد كان مؤثرًا أن يحذر الفقيد في آخر كلماته أمام مجلس الأمة الكويتي من مخاطر التصعيد في الأزمة الخليجية، مؤكدًا أنها الشغل الشاغل للكويت لحماية مجلس التعاون من التصدع والانهيار.

وقد برزت خصوصية العلاقات القطرية الكويتية خلال السنوات الماضية عبر العديد من المواقف أبرزُها توجيه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، بتدشين مشروع طريق المحور الذي يحمل اسم «محور صباح الأحمد» ليظل علامة بارزة لتخليد مشاعر الحب والتقدير الرسمي والشعبي القطري تجاه أمير الإنسانية.

الوجه البشوش

وقد ارتبطت صورة الكويت طوال السنوات الماضية ذهنيًا بصورة الأمير الراحل ذي الوجه البشوش الذي يمد يد بلاده بالخير لكافة شعوب العالم لترسيخ التنمية والاستقرار والسلام.. كما خلق دبلوماسية متزنة وعاقلة في المنطقة ، وفي عهده حافظت الكويت على مبدأ الحياد ودعم المبادرات الإنسانية في حل الأزمات في اليمن وسوريا والعراق وليبيا وفلسطين، كما دعمت المسلمين في مناطق كثيرة في العالم أبرزهم مسلمو الروهينغا في ميانمار.

فطالما سعى الفقيد لتكون الكويت واحةً لنشر السلام والعمل الإنساني ورأب الصدع في علاقات الدول العربية، أبرزها لعب دور الوساطة في الأزمة الخليجية قبل أكثر من 3 سنوات.

مسيرة عطاء

وتوجت الأمم المتحدة مسيرة أمير الكويت الحافلة بالعطاء عام 2014، بمنحه لقب «قائد العمل الإنساني»، لجهوده في مجالات العمل الخيري والدعم الإنساني والإغاثة في مختلف أنحاء العالم.

كما قام الرئيسُ الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا بمنح سمو الأمير الراحل وسام الاستحقاق العسكري برتبة «قائد أعلى»، خلال مراسم في البيت الأبيض اعترافًا بالجهود العظيمة والدؤوبة والدور الكبير الذي قاده أميرُ الكويت في المنطقة والعالم، وتتويجًا لعلاقات الشراكة التاريخية والمتميزة بين الكويت والولايات المتحدة.

تضحيات خالدة

ووسط الحزن على رحيل الأمير الراحل، تشهد الكويت لحظة هامة تاريخية، تدمع فيها الأعين، وتمتد الأيادي بالمبايعة، لنقل السلطة بشكل سلس وَفقًا للإجراءات الدستورية، حيث نادى مجلس الوزراء الكويتي بولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح أميرًا للبلاد، والذي يعد أبرز الوجوه السياسية التي عاصرت مسيرةَ بناء دولة الكويت منذ أن نالت استقلالها في 1962، وأحد المُساهمين في بناء الكويت الحديثة وإرساء دعائمها وتحقيق نهضتها.

ندعو الله أن يتغمد الراحل الكبير بواسع رحمته ومغفرته ويسكنه فسيح جناته مع الصديقين والأبرار ويجزيه خير الجزاء عما قدم لوطنه وأُمته من عطاء وتضحيات ستظلُ خالدةً في نفوس الأجيال القادمة، وأن يلهم الأسرة الحاكمة الكريمة والشعب الكويتي الشقيق والأُمتَين العربية والإسلامية الصبر والسلوان.

«إنا لله وإنا إليه راجعون».

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X