كتاب الراية

همسة في التنمية..الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية

أيّ تقدم مُرتجى يجب أن يبدأ من الإنسان بإثارة اهتمامه بنفسه

مما لا شك فيه أن الإنسان هو الموضوع الأساسي في التنمية البشرية، ولذلك أقيمت العديد من الدراسات والمؤتمرات التي حاولت توطين مفهوم التنمية البشرية ودراسة أبعادها ومكوناتها وأنواعها المختلفة التي تهدف إلى رفع مستوى المعيشة والتعليم وتحسين نوعية حياة الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما جعل بداية انطلاق مفهوم التنمية كمصطلح وصف، رغبت الدول الاستعمارية بتطوير وتنمية الدول النامية التي في الأصل استخدمتها كطُعم دولي من أجل تقبل فكرة أحقيتها في امتلاك الخيرات الطبيعية مقابل تفعيل دور التنمية، والحقيقة هي السيطرة على ثرواتها الطبيعية، ومن الطبيعي أن تبرر الدول المستعمِرة عذرها الاستعماري بإيضاح الفروقات المعنية بالتقدم والتخلف وفق المعايير المعنية بها، والتي تسمح الدول المستعمرة بالسيطرة على قنواتها اللوجستية في سبيل الحد من ازدهارها الاقتصادي والسياسي والعلمي الذي من الممكن أن يحقق الاستقلال الشامل وغير المشروط دوليًا، والذي سيعكس على صعيد المجتمع الدولي صورة من الرفاهية العالية والمستوى المعيشي للأفراد، والذي من الممكن أن يحد من قوة الدول المستعمرة ويجعلها أكثر تأثيرًا على الأحداث العالمية بشكل مختلف عما نراه حاليًا على صعيد المجتمع الدولي.
الإنسان في البلاد المتخلفة عمومًا يعاني من فقدان الاهتمام، والمقصود بالاهتمام هنا هو الشعور بالمسؤولية تجاه نفسه أولًا وتجاه مجتمعه وأمته ثانيًا، ووفق وجهة نظري فإن أي تنمية منشودة وأي تقدم مُرتجى يجب أن يبدأ من الإنسان وذلك عن طريق إثارة اهتمامه بنفسه وزرع الثقة فيه ومعرفته بما يملك من إمكانات وتحفيز رغبته بتطويرها وتنميتها، فعندما يهتم المدرس مثلًا بتنمية نفسه ومجتمعه، فإنه سيسعى لزيادة معارفه، وتطوير أساليبه التعليمية، وستتغير نظرته إلى عمله وإلى طلابه، فبدل أن ينظر إليهم أنهم مجرد أطفال لا يفهمون، وحشو رؤوسهم بالمعلومات حتى يقبض راتبه آخر الشهر، سيتحول إلى إنسان يشعر بهم، وبضرورة تربيتهم قبل تعليمهم، وتوعيتهم وتعويدهم على الحوار الفعال والهادف إلى تحقيق نهضة مؤثرة على المجتمع، وطبعًا هو لن يستطيع ذلك إلا إذا كان مقتنعًا بأهمية ما يريد تربية طلابه عليه، وبذلك ستكون تنميته لنفسه انعكاسًا تظهر نتائجها على طلابه وبذلك سيكون قد ساهم في تنميتهم.
تطبيق الأخلاق في سلوكياتنا حاجة ماسة، تحسن التعامل بين الناس قولًا وعملًا، وتحفز الجميع على قبول الرأي الآخر، والبُعد عن الطائفية والاستعلاء، ونشر ثقافة المسؤولية بين الناس، وتفعيل العديد من السلوكيات الأخلاقية التي لم يبقَ منها بيننا إلا الاسم، المهم في النقاش هو تفعيل الأخلاق حتى يتعود الناس على السلوك الفاعل الهادف، وعندها فقط سينهض المجتمع لا محالة، وستتحقق التنمية المنشودة، وسيصل المجتمع لمرحلة من الوعي واستيعاب حاجاته الفعلية، ليكون من خلالها قادرًا على سنّ قوانين وإيجاد نظم اجتماعية تضمن له الكرامة والرفاهية، بطرق سلمية بعيدة عن العنف أو أي تدخل أجنبي خارجي.
في الختام، التنمية الاجتماعية تهدف في الدرجة الأولى إلى تطوير التفاعلات المجتمعية بين أطراف المجتمع، ونقول الأطراف، لأن المجتمع هو مجموعة من الأفراد يتفاعلون مع بعضهم بطرق مختلفة، عن طريق المؤسسات والعمل الجماعي الهادف إلى رفعة الأمة، ولن يتم ذلك دون الانسجام والاتساق بين الأطراف المعنية بالتعاون، حتى نصل جميعًا نحو ترسيخ القيم السلوكية التنموية الهامة والأساسية في بناء مجتمع متنامي الأطراف، يقوم على أساس التعاون بين أفراده، يتسع للجميع من دون التعريج على الاختلافات العرقيّة والمناهج المُتبعة.

خبير التنمية البشرية

Instegram: @rqebaisi
Email: [email protected]

العلامات
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X