الطيران والجائحة.. انتعاش مرتقب
انتعاش حركة السفر والطيران .. طوق النجاة لازدهار الاقتصاد العالمي
بقلم – أسامة سليمان
عانى قطاعُ الطيران أكثر من بقية القطاعات الاقتصادية بسبب جائحة كورونا التي اندلعت قبل أكثر من عام ودمرت الطلب العالمي على النفط الخام وعلى الوقود، ووصل الأمر إلى الذروة في أبريل من العام الماضي، حيث تهاوى الخام الأمريكي لأول مرة في تاريخ الصناعة إلى المنطقة السلبية للأسعار.
وتأثر قطاع الطيران كثيرًا بقرارات الإغلاق العام في أغلب دول العالم والتي لاتزال متفاقمة حتى الآن في دول الاتحاد الأوروبي، حيث تمدد ألمانيا وهي أكبر اقتصاد أوروبي قرارات الإغلاق بشكل مستمر لاحتواء السلالات المتحورة من فيروس كورونا وبسبب عودة متوسط الإصابات اليومية المرتفع.
ولكن في المقابل يتجه قطاع الطيران إلى التعافي في الولايات المتحدة وبريطانيا بسبب انتشار اللقاحات بشكل سريع وهو ما تبلور مؤخرًا في إعلان وزير النقل البريطاني جرانت شابس أن السفر الدولي من المملكة المتحدة يمكن أن يستأنف اعتبارًا من 17 مايو على أقرب تقدير، وهو ما يوفر دفعة لتوقعات نمو الطلب على وقود الطائرات في أوروبا.
ولاشك أن الولايات المتحدة وبريطانيا لديهما قدرة كبيرة على قيادة الطلب وتحفيز عودة الاستهلاك الواسع لوقود الطائرات إلى المستويات الطبيعية وتحديدًا يمكن القول إن بريطانيا تعتبر إلى حد كبير أكبر مستهلك لوقود الطائرات في أوروبا قبل أزمة الوباء.
نفس الخطوات الإيجابية والداعمة للتفاؤل نلحظها في آسيا، حيث إن هناك مؤشرات قوية على تعافي الطلب الآسيوي واقتراب نمط الحياة من العودة إلى مستويات ما قبل وباء كورونا خاصة في ضوء تقارير وبيانات اقتصادية تشير إلى تحسن النشاط الصناعي في الصين.
ومن المتوقع أن يكون صيف هذا العام مختلفًا على نحو كبير عن الصيف الماضي في كل اقتصادات العالم في ظل التعافي التدريجي لاستهلاك الطاقة والآمال الواسعة التي تعقدها الحكومات على انتعاش الاقتصادات وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي اعتمدت مؤخرًا أضخم خطة للتحفيز المالي والاقتصادي بلغت قيمتها نحو 9ر1 تريليون دولار.
ومثال آخر نشهده في النمسا التي تلقت فيها شركة الخطوط الجوية الوطنية « أوستريان أيرلاينز» مساعدات جمة من الحكومة لإنقاذها من أزمة الوباء، حيث تلقت قرابة 430 مليون يورو، إضافة إلى مساهمات الشركة الرئيسية المساهمة فيها، وهي «لوفتهانزا»، ولكن ذلك لم يمنع من بيع بعض الطائرات الضخمة وإلغاء الكثير من خطوط الطيران لعدم جدواها الاقتصادية في ظل الجائحة.
وبحسب تقارير دولية لمؤسسة مثل «بلاتس» نلمس حجم الخسائر الفادحة التي حدثت في قطاع الطيران في العام الماضي، حيث انخفض الطلب على وقود الطائرات في المملكة المتحدة بنسبة 74٪ على أساس سنوي في يناير نتيجة الإغلاق العام.
كما أدى الحظر المفروض على السفر – وخاصة الرحلات الطويلة – إلى انخفاض استهلاك وقود الطائرات في أوروبا بنحو 90٪ في أبريل 2020 قبل أن يتعافى تدريجيًا ليصل إلى ذروة ما بعد الوباء في أغسطس الماضي عند حوالي 45٪ من مستويات ما قبل الوباء.
منظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية وهما من أعرق المنظمات الاقتصادية الدولية المعنية بشؤون الطاقة قدمتا رؤية إيجابية لتعافي الطلب ولاشك أن قطاع الطاقة هو أكثر القطاعات الاقتصادية حيوية وحساسية للمتغيرات الجيوسياسية وللتوترات والأزمات الصحية مثل أزمة الوباء الراهنة. ورغم التقدم الجيد في تعافي الطلب على وقود الطائرات إلا أنه لا يزال بطيئًا قياسًا بطموحات وتطلعات الدوائر المالية والاقتصادية الدولية التي تسابق الزمن من أجل تجاوز كل تداعيات أزمة الوباء، وبحسب أحدث تقارير أوبك ووكالة الطاقة فإنه من المتوقع أن يتعافى الطلب على النفط بمقدار 5.8 مليون برميل يوميًا هذا العام، بينما تبلغ حصة أوروبا 900 ألف برميل يوميًا من الإجمالي.
ولاشك أن الحركة الجوية الأوروبية – بحسب رأي العديد من التقارير والخبراء هي بمثابة الوكيل الرئيسي للطلب على وقود الطائرات – ورغم الإغلاق المشدد تتجه نحو الارتفاع، لكنها لا تزال أقل بنسبة 70٪ تقريبًا من المستويات المماثلة في عام 2019.
ويراهن الكثير من الاقتصاديين حول العالم على أن النصف الثاني من العام الجاري سيكون أفضل كثيرًا من النصف الأول الذي شهد أزمات مثل الشكوك في فاعلية اللقاحات والتعثر في عملية التوزيع بسبب الخلافات الداخلية في دول الاتحاد الأوروبي وما شابهها، ولكن من المفترض أن يكون قد تم حسم كل هذه الأمور بنهاية العام.
وتتوقع التقارير الدولية أن يرتفع الطلب على الطائرات والكيروسين في أوروبا إلى 1.19 مليون برميل يوميًا بحلول ديسمبر المقبل ولكنه يبقى أقل بنحو 13٪ عن نفس الشهر في عام 2019.
وانتعاش حركة السفر والطيران هو دون مبالغة طوق النجاة لازدهار الاقتصاد العالمي مجددًا بعدما تم إلغاء رحلات العمل والمؤتمرات والمهرجانات وغيرها على مدار عام وتحوُّل الكثيرين إلى اللقاءات الافتراضية عبر الإنترنت والعمل من المنزل، ولكن من المؤكد أن هذا التغير ليس دائمًا وستعود الحياة إلى طبيعتها قريبًا بعد تجاوز أسوأ أزمة عالمية في التاريخ الحديث.