صوم الست من شوال يجبر نقص الصيام في رمضان
المسلم مطالب بالمداومة على الطاعات والاستمرار في تزكية النفس
الأحاديث النبوية تؤكد أن «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ»
ثبات الإنسان على الطاعات والأعمال الصالحة من علامات قبولها

الدوحة – نشأت أمين:
أكد عددٌ من الدعاة أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان عمل صالح أجره وثوابه عظيم عند الله عز وجل، مُشيرين إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ».
وقال هؤلاء الدعاة ل الراية : إنّ من الفوائد المُهمّة لصيام الأيام الستة من شوال، أنها تجبُر النقص والخلل الذي قد يحدث في صيام الفريضة في رمضان، حيث لا يخلو سلوك العبد وصيامه من التقصير أو اقتراف الذنوب، ولفتوا إلى أن البدء بصيام ستة أيام من شوال قبل قضاء رمضان صحيح على مذهب جمهور العلماء، وجائز بلا كراهة عند الحنفية ومع الكراهة عند المالكية والشافعية، وأن الراجح أنه جائز بلا كراهة لأن القضاء موسع يجوز فيه التراخي، وصيام الست قد يفوت فيفوت فضله.
ولفتوا إلى أن صيام شوال وشعبان هو كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها، حيث إنها تكمل ما حدث في الفرض من نقص وخلل، لافتين إلى أن صيام هذه الأيام دليل على شكر الصائم لربه على توفيقه له لصيام رمضان.
علامة القبول
وقال فضيلة الشيخ محمد يوسف الإبراهيم: ما أجمل الطاعة إذا ما أتبعها العبد بطاعة أخرى، وإن من علامة قبول الحسنة أن يتبعها الإنسان بشكر صادق وبعمل صالح مماثل لها، وإن الثبات على الطاعة هو من علامات قبول الأعمال، لافتًا إلى أنه كان من هديه صلى الله عليه وسل المداومة على الأعمال الصالحة، وقد ثبت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا عمل عملًا أثبته».
وأضاف: لا بد لقبول العمل الصالح أن يكون هذا العمل خالصًا لله وحده لا يُخالطه رياء أو سمعة، ولا بد أن يكون صالحًا على وفق ما دل عليه كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث، قال تعالى: «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملًا صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا»، وكذلك لا بد للعبد من العزم على عدم الرجوع إلى الذنوب والمعاصي بعد الطاعة، مع الحرص على الازدياد من الأعمال الصالحة.
الأعمال الصالحة
وتابع الشيخ الإبراهيم: إذا كان رمضان قد انقضى، فإن الله تعالى شرع بعده فعل الكثير من الأعمال الصالحة وأمر بالمُحافظة عليها، ومنها أنه عز وجل شرع لنا صيام ستة أيام من شوال، كما شرع لنا صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وذلك كصيام الدهر وشرع لنا صيام الاثنين والخميس، ويوم عرفة وعاشوراء، وصيام أيام عشر ذي الحجة، كما شرع المولى عز وجل لنا الذكر وتلاوة القرآن وصلاة الليل وغيرها من الأعمال الصالحة الأخرى، مُحذرًا من العُجب والغرور لأنه مفسد للعمل.
وأكد أن هناك علامات أخرى عديدة على قبول العمل منها الإكثار من الدعاء والاستغفار، وقد قال ابن القيم رحمه الله: «وإن العارف ليستغفر الله عُقيب طاعته، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انصرف من الصلاة استغفر ثلاثًا، وأمر الله عباده بالاستغفار عقيب الحج، ومدحهم على الاستغفار عُقيب قيام الليل»، فالعمل الصالح لا ينقطع إلا بالموت، قال تعالى: «واعبد ربك حتى يأتيك اليقين».
عبادة عظيمة
من جانبه أكد فضيلة الشيخ حسين حمد الغفراني، إمام مسجد عبدون الخيارين، أن صيام الست من شوال هو عمل صالح أجره عظيم عند الله عز وجل، لأنها تأتي بعد عبادة أخرى عظيمة وهي شهر رمضان كما أن صيامها بعد رمضان يعادل صيام الدهر كله، وذلك مصداقًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ».
وأوضح أن البعض يتكاسلون أحيانًا عن صيام هذه الأيام الستة ويستسلمون لأنفسهم ويشقّ عليهم مجاهدتها فيضيع عليهم تحصيل هذا الأجر والثواب العظيم.
تعويض النقص
وقال: إن هناك فوائد عديدة لصيام الست من شوال، ومن هذه الفوائد أنها تعوّض النقص الذي قد يعتري صيام الفريضة، مضيفًا: إن نقص الفرائض يكتمل بالنوافل يوم القيامة، لافتًا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أوَّلَ ما يحاسبُ النَّاسُ بِه يومَ القيامةِ من أعمالِهمُ الصَّلاة، قالَ: يقولُ ربُّنا جلَّ وعزَّ لملائِكتِه وَهوَ أعلمُ انظروا في صلاةِ عبدي، أتمَّها أم نقصَها، فإن كانت تامَّةً، كتبت لَه تامَّةً، وإن كانَ انتقصَ منها شيئًا، قالَ انظُروا هل لعبدي من تطوُّعٍ، فإن كانَ لَه تطوُّعٌ، قالَ أتمُّوا لعبدي فريضتَه من تطوُّعِه، ثمَّ تؤخذُ الأعمالُ علَى ذاكُم».
تزكية النفس
بدوره قال فضيلة الداعية د. محمود عبدالعزيز: إن المسلم مطالب بالمداومة على الطاعات، والاستمرار في الحرص على تزكية النفس، ومن أجل هذه التزكية فقد شُرعت العبادات والطاعات، وبقدر نصيب العبد منها تكون تزكيته لنفسه، وبقدر تفريطه يكون بُعده عن هذه التزكية.
وأوضح أن الصوم من تلك العبادات التي تطهِّر القلوب من أدرانها، لذلك فإن شهر رمضان موسم للمراجعة، وأيامه طهارة للقلوب.
وأوضح أنه لا يُشترط التتابع في صيام هذه الأيام، فلو صامها الإنسان متفرقة أو متتابعة فلا بأس بذلك وكلما بادر كان أفضل، حيث قال تعالى: «فاستبقوا الخيرات»، وقال موسى عليه السلام: «وعجلت إليك رب لترضى»، ولما في التأخير من الآفات وإليه ذهب الشافعية وبعض الحنابلة، لكن لا حرج في عدم المبادرة، فلو أخرها إلى وسط الشهر أو آخره فلا بأس. وقال: إن العلماء رحمهم الله يقولون إنه لا حرج في جمع المسلم بين صيام الأيام البِيض، أو الاثنين والخميس والست من شوال في نيّة واحدة، ويكتب له ثواب صيام الستة أيام، وصيام الاثنين والخميس، أو الأيام البِيض؛ لأنّه يصدق أنّه صام الست كما يصدق أنّه صام الاثنين والخميس، أو الأيام البيض، لافتًا إلى أن فضل الله تعالى واسع.
وكذلك لو صام الأيام البيض ووافق الاثنين أو الخميس وجمع بينهما بنية واحدة، فكل ذلك خير إلى خير ويُرجى له ثواب وأجر جميع تلك السنن.
وعن حكم الجمع بين قضاء رمضان وصيام الست من شوال معًا بنية واحدة، قال: من ثبت في ذمته صيام واجب، كقضاء رمضان أو نذر أو كفارة وأراد صيامه في شوال وأراد تحصيل فضل صيام ست من شوال كذلك، فقد وقع في هذه الصورة خلاف بين الفقهاء على قولين.
الثواب الكامل
القول الأول: منع هذه الصورة على اعتبار أن كلًا من القضاء وصيام ست من شوال عبادة مقصودة بذاتها، فلا يجوز التداخل بينهما في النية.
والقول الثاني: جواز الجمع بين نية القضاء وصيام الست من شوال؛ لأن المقصود هو إشغال هذه الأيام بالصيام، وذلك قياسًا على حصول تحية المسجد بأي صلاة عند الدخول إلى المسجد، وقياسًا كذلك على إجزاء الغُسل الواجب عن غسل الجمعة، ولكن لا يحصل للصائم في هذه الحالة الثواب الكامل.
وأضاف: الأحوط فصل كل صيام على حدة؛ لما فيه من الزيادة في الأجر، وخروجًا مِن خلاف مَن منع ذلك، والنية التي يجب أن تبيت من الليل هي نية القضاء، أما نية صيام النفل من شوال فلا يجب تبييتها.
وعن حكم البدء بصيام الست من شوال قبل القضاء، يقول : البدء بصيام ست من شوال قبل قضاء رمضان صحيح على مذهب جمهور العلماء، وجائز بلا كراهة عند الحنفية ومع الكراهة عند المالكية والشافعية. والراجح أنه جائز بلا كراهة لأن القضاء موسّع يجوز فيه التراخي، وصيام الست قد يفوت فيفوت فضله.