كوالالمبور – الجزيرة نت:

يتحسّر فارس يحيى، وهو رئيس سابق لهيئة تطوير مدينة سايبر جايا، على فقدان أحد المعالم الذي نجا من الحربين العالميتين وشهد عهدي الاستعمار والاستقلال، لكنه انهار أمام جائحة كورونا. ويقول يحيى للجزيرة نت: إنه احتفل في مقهى كوليزيون بنجاحه وتخرّجه في الثانوية العامة عام 1986، والتقى فيه على مدى أكثر من ثلاثة عقود بشخصيات بارزة عديدة، مثل رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد. وأكدت إدارة مقهى ومطعم كوليزيون أنها لن تحتفل بعيد ميلاده المئوي، حيث تأسس عام 1921، في حين كتبت صحيفة «نيو ستريتس تايمز» عن إغلاقه تحت عنوان «معلم شارع تونكو عبد الرحمن التاريخي في ذمة الله».

قرن من الذكريات

 

وبإغلاق أعرق المقاهي في البلدة القديمة من كوالالمبور، يسدل الستار على قرن من الذكريات، فقد اعتاد عِليةُ القوم – من ساسة ومؤرخين وصحفيين وفنانين وغيرهم من الشخصيات العامة – التوقّف في شارع تونكو عبد الرحمن للاستمتاع بعبَق الماضي أثناء احتساء القهوة أو تناول عشاء تقليدي مثل مشاوي الساتيه الماليزية. ويضيف فارس يحيى: إن خدمة التوصيل التي لجأت إليها عامة المطاعم للتغلب على انتشار فيروس كورونا غير مُجدية لإنقاذ المطعم التاريخي؛ إذ يرى أن المكان ذاته بما يسجّله من ذكريات هو المقصود لروّاد المطعم وليس الطعام. وعلى بُعد عشرات الأمتار من المبنى الذي احتضن كوليزيون على مدى 100 عام، يكابد مطعم آخر للمأكولات الهندية من أجل البقاء ويسعى لاستقطاب الجيل الصاعد عبر خدمات التوصيل، وَفق ما أفاد به مُدير المطعم فقير محمد.

قيمة تاريخية

 

شارع تونكو عبد الرحمن، الذي غيّر اسمه بعد الاستقلال من «شارع باتو» ليحمل اسم الملك السابق السلطان عبد الرحمن، يقع بين مقارّ إدارة الدولة في العهد الاستعماري وحي مسجد الهند، وهو الحي الذي قطنه العمال الهنود المُسلمون أثناء عملهم في بناء السكة الحديد، ثم عرف باسمهم. خيّم الظلام على هذين الحيين في زمن كورونا، ويظهر الركود في الشارع الذي يفصل بينهما، وذلك بعد أن كانا يعجّان بالسياح على مدار العام. قصر السلطان عبد الصمد الذي بُني في عام 1894 وحوِّل إلى متحف للتراث لم يعد يستقبل الزوّار، كما هي الحال مع محطة القطارات القريبة التي تحوّلت إلى متحف لسكك الحديد وغيرهما من المباني التاريخيّة الواقعة بالقرب من ساحة الاستقلال.

الحفاظ على التراث

 

إفلاس كثير من الأعمال التجاريّة العريقة مثل كوليزيون حرّك نشطاء الحفاظ على التراث في ماليزيا، فحذّروا من إهمال الأماكن التاريخيّة والتراثية العامّة، وذلك مع نضوب عائدات السياحة في ظل الجائحة بما قد يتسبّب في وقف أعمال الصيانة والترميم. ويقول فارس يحيى: إن صيانة الأماكن التراثيّة يجب أن تحظى باهتمام خاص، ويطالب الحكومة بتبني سياسة لإنقاذ الأماكن ذات القيمة التاريخيّة، ويرى أن يشمل الدعم الحكومي المؤسسات العامة والخاصّة من هذا النوع. ولا يتوقف قلق مُنظمات الحفاظ على التراث – من آثار جائحة كورونا – على الأماكن التاريخيّة في كوالالمبور فحسب، بل يشمل تلك التي أدرجت على قائمة التراث العالمي في ماليزيا، لا سيما في ملقة وبينانغ، وهما المدينتان الماليزيتان اللتان تشهد آثارهما على حقب تاريخية مُتعدّدة.