دور الشمول المالي في النمو الاقتصادي
إتاحة فرص لجميع شرائح المجتمع لإدارة أموالهم ومدخراتهم
تطوير البنية التحتية للنظام المالي والمصرفي.. وتشجيع الخدمات الرقمية
يُعد «الشمول المالي» من أهم العوامل المُرتبطة بتحقيق النمو الاقتصادي للدول، نظرًا لأهميته في تعزيز الاستقرار المالي ودعم فرص تحقيق التنمية المُستدامة. ويتحقق ذلك من خلال اتجاه البنوك بمختلف أنحاء العالم للوصول إلى الشرائح المُجتمعيّة التي لا يوجد لها تعاملات بنكية خاصة الشباب والمرأة وروّاد الأعمال، عن طريق تقديم خدمات بنكية منوّعة ومبتكرة تتناسب مع احتياجاتهم، وبأسعار مُناسبة، وتمكينهم من استخدامها بالشكل الصحيح، وتقديمها لهم بطريقة تتسم بالشفافية والمسؤولية والاستدامة.
وبذلك فإن الشمول المالي يعني إتاحة فرص مناسبة لجميع شرائح المُجتمع، سواء المؤسسات أو الأفراد، لإدارة أموالهم ومُدخراتهم بشكل سليم وآمن، بما يضمن انخراط كافة فئات المجتمع في الخدمات المصرفيّة وعدم لجوء الأغلبية للقنوات غير الرسميّة التي لا تخضع لأي رقابة أو إشراف، التي من الممكن أن تعرّضهم لحالات نصب وتفرض عليهم المزيد من الرسوم، ما يتسبب في ضياع أموالهم. ولا تتوقف هذه الخدمات على مجرد التمويل والإقراض، وإنما تشمل جميع المعاملات البنكية مثل المدفوعات والمدخّرات والائتمان والتأمين، كذلك مراعاة ظروف العملاء وعدم إثقالهم بالقروض والرسوم والعمولات غير المُبرّرة.
وقد ساعد انتشار وتنوّع وسائل التكنولوجيا المالية الرقمية، لا سيما انتشار الهواتف المحمولة على مستوى العالم، في توسيع نطاق الحصول على الخدمات المالية بتكلفة ومخاطر منخفضة. ففي المنطقة العربية على سبيل المثال تبرز الإحصاءات المُتاحة الفرص الكبيرة في تطوير الخدمات الرقمية، إذ إن ما يقارب 85 في المئة من البالغين في المنطقة العربية لديهم هاتف محمول، و48 في المئة لديهم هاتف محمول ويمكنهم في نفس الوقت النفاذ إلى الشبكة الإلكترونية، و7 في المئة لديهم حسابات الأموال عبر الهاتف المحمول، ونحو 33 في المئة أرسلوا أو تلقوا مدفوعات رقمية في عام 2020، مقارنة بنحو 44 في المئة على مستوى العالم. وقد عززت التطوّرات الحاليّة والتداعيات السلبية لانتشار جائحة كورونا وما فرضته من تباعد وإجراءات احترازيّة الأهمية الكبيرة لتوظيف التقنيات الحديثة لأغراض الشمول المالي، وضرورة التوسّع في الخدمات المالية الرقمية وتوعية مُستخدميها.
وأصبح الشمول المالي محل اهتمام مُتزايد من قِبل صانعي السياسات لما يُحققه من فوائد عدة للمُجتمع، وذلك من خلال حشد الموارد لزيادة مُعدلات الاستثمار وخلق فرص عمل جديدة وإتاحة التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، الأمر الذي من شأنه أن يُساعد على مواجهة تحديات الفقر والبطالة وإرساء العدالة الاجتماعية. كما أن توفير الخدمات المالية يسهل أمور الحياة ويجعل الشركات والأفراد والعائلات يعملون وفق خطط سليمة، ما يُساعدهم على بدء أعمالهم وتوسيعها على أسس اقتصادية بعيدًا عن العشوائية، ويُحفزهم لمزيد من الاستثمارات، ومنحهم القدرة على إدارة المخاطر، ومواجهة الصدمات الماليّة، وهو ما ينعكس على حياتهم بالإيجاب. وعلى مستوى القطاع المصرفي فإن تقدّم الدول في التوسّع في الشمول المالي، وتوفير البيئة التنظيمية والسياسات الملائمة له، يشجع المنافسة بين البنوك على الابتكار والتوسّع في الخدمات المصرفية وزيادة فرص الوصول إلى الخدمات المالية. وجذب المزيد من العملاء، خاصة أنه يوجد حوالي 2 مليار شخص حول العالم غير مُتعاملين مع القطاع المالي الرسمي.
ويحتاج التوسّع في الشمول المالي إلى تطوير البنية التحتية للنظام المالي والمصرفي، وتشجيع تطوّر وتوسع الخدمات المالية الرقمية، وتطوير التشريعات والأطر الرقابية التي تُساعد على تحسين انتشار الخدمات المالية والمصرفية والابتكار فيها وتوفير الحماية للعملاء. علاوة على رفع مستوى الوعي لدى كافة الفئات وحماية حقوقهم الماليّة وزيادة ثقافتهم وقدراتهم ومعرفتهم بالأمور الماليّة الرقميّة، بما يُمكنهم من اتخاذ القرارات السليمة تجاه هذه الخدمات.
باحث اقتصادي