
يقول الله تعالى في سورة الكهف عن قصة يأجوج ومأجوج: (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا). ما اسطاع يأجوج ومأجوج أن يعلوا الردم الذي جعله ذو القرنين حاجزًا بينهم، وبين من دونهم من الناس، ليصيروا فوقه وينزلوا منه إلى الناس. يقال: ظهر فلان فوق البيت: إذا علاه، ومنه قول الناس: ظهر فلان على فلان: إذا قهره وعلاه (وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) يقول: ولم يستطيعوا أن ينقبوه من أسفله.
لم تأتِ (التاء) في الفعل الأول (اسطاعوا) وأتت في الثاني (استطاعوا)، لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، أيهما أشق أن يصعدوا الجبل أو أن يَنقبوا هذا الحديد؟
الجواب: الثاني أصعب ولهذا قال: (وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) لأنه حديد ممسوك بالنحاس، فصاروا لا يستطيعون ظهوره لعلوه وملاسته، فيما يظهر، ولم يستطيعوا له نقبًا لصلابته وقوته، إذَنْ صار سدًا منيعًا.
فقابل الأثقلَ بالأثقلِ، والأخفَّ بالأخفِّ.
كما قالَ: (فَمَا اسطاعُوا) أن يَظْهَروهُ بتخفيف (التاء) وهو الصُّعود إلَى أعلاه، وما استطاعوا له نَقْبًا، بوجود (التاء) وهو أشقُّ من ذلكَ؛ فقابلَ كُلًا بما يُناسِبُهُ لفظًا ومعنًى.