واحة النفس .. وقفة مع النفس في العام الهجري الجديد
تمرُّ الأيامُ وتتسابقُ الساعاتُ ونجد أنفسنا نودّع عامًا ونستقبل عامًا جديدًا، وكل يوم يمضي يقرب إلى الأجل، ونحن نستقبلُ عامًا هجريًّا جديدًا ونودع آخر فإننا بحاجة ماسّة إلى محاسبة أنفسنا، وأن نقف وقفة صادقة مع أنفسنا نتعرف فيها على أحوالنا، وماذا قدمنا خلال العام الماضي، فإذا كان خيرًا حمدنا الله عليه وسألناه مزيدًا، وإن كان تفريطًا أو تقصيرًا أو خطايا وذنوبًا سعينا بصدق إلى إزالته ما دام في العمر بقية ومتسع.
إن ذهاب عام هجري، ومجيء آخر أمر يستدعي منا الوقوف مع أنفسنا وقفة جدية للمحاسبة الصادقة، وذلك لأن من غَفل عن نفسه تصرمت أوقاته، واشتدت عليه حسراته، وأي حسرة على العبد أعظم من أن يكون عمره عليه حجة، وتقوده أيامه إلى مزيد من الردى والشقوة، إن الزمان وتقلباته أنصح المؤدبين، وإن الدهر بقوارعه أفصح المتكلمين، فانتبهوا بإيقاظه، واعتبروا بألفاظه، وقد ورد في الأثر (أربعة من الشقاء: جمود العين، وقسوة القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا).
العام ينصرم ويذهب وتذهب معه ذكرياتنا الماضية وآلامنا وآمالنا إلى حيث لا تعود أبدًا، ويقبل عام جديد فاتحًا ذراعيه ليأخذ قطعة من نفوسنا وجزءًا جديدًا من حياتنا، عام كامل انصرفت أيامه وتفرقت أوصاله، وقد حوى بين أيامه حكمًا وعبرًا وأحداثًا وعظات، فكم شقي فيه أناس وكم سعد فيه آخرون، وكم طفل قد تيتّم أو كم من امرأة قد ترملت، وكم من مريض قد تعافى بقدرة الله عز وجل، وكم من سليم مُعافى توارى في التراب بلحظة، وكم من أفراح تنقلب أتراحًا، فالأيام تمضي والعام بأكمله ينصرف، وربك يخلق ما يشاء ويختار، أعوامًا تنقضي تزيد العاقل عظة وعبرة، وتنبه الجاهل من سُبات الغفلة، وما أحرى المؤمن العاقل وهو يعي حكم الله أن يقف مع نفسه في كل نهاية عام وقفة تأمل وحساب، أن الحياة الحقيقية هي أن تجعل الدنيا وسيلة للآخرة، وأن ما يعمله ويعمره الإنسان في طاعة الله هو الباقي، وغير ذلك يكون هباءً منثورًا.
سيكولوجية الخوف من المستقبل
في حياتنا الحديثة اليوم ونتيجة الاستسلام للضغوط المختلفة والتعرض للكثير من التوتر والقلق واجتماع عوامل مادية ومعنوية كثيرة، لا يمكن السيطرة عليها، كل ذلك يدفعنا لشعور مُتزايد من القلق والخوف من المستقبل، أو الخوف من المجهول.
يمكن أن يبدأ الخوف من المستقبل بالخوف من عدم القدرة على السيطرة على الحاضر، ويتطور إلى الخوف والقلق الشديد من اتخاذ أي خطوة أو أي مسار بسبب الخوف من كل ما ينطوي عليه من مخاطر ومشاكل، حتى ولو كانت مشاكل باحتمال قليل لحدوثها، ما يؤثر بشكل سلبي في الحياة ويمنع من القيام بأمور كثيرة ويحرم من الاستمتاع باللحظة الحالية.
إن الخوف من المستقبل قد ينطوي على أمور أكثر شيوعًا من غيرها، تتمثل في الخوف من الإصابة بأمراض خطيرة، أو أمراض طويلة الأمد، كالمرور بمشاكل على المستوى المادي، أو العيش بدون مال، أو بدون مصدر دخل، والخوف من خسارة وفقدان أحد الأشخاص المُقربين.
الكثير من الناس يكدون ويتعبون ويضحون بالكثير من راحتهم من أجل أولادهم وأسرهم، ولا يكتفون بتوفير احتياجاتهم المعيشية فقط، بل يعملون على تأمين مستقبلهم أيضًا ظنًا أن أفضل وسيلة لذلك هي جمع أكبر قدر من المال، وبناء المنازل وشراء الأراضي، مع أن الواقع المُشاهد لا يؤكد هذا بل غالبًا ما ينفيه، فكثيرًا ما كان المال الذي تركه الأبوان لأبنائهما سببًا في انحرافهم بل وفقرهم قال تعالى «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير» الملك 14.
والغريب أن الدراسات النفسية اكتشفت شيئًا غريبًا أن ما نخاف منه، غالبًا ما يحدث إذا كان لدينا اعتقاد راسخ بهذا الخوف فإنه بنسبة 98% سوف يحدث ليس لأننا متنبئون جيّدون، لكن لأننا لا نرى إلا ما نعتقده، وهذه نظرية في علم النفس، مؤداها أنك إذا آمنت بشيء عن نفسك تمام الإيمان فإنه غالبًا ما تسير الأمور في اتجاه اعتقادك.
فإذا خفت من العجز والإخفاق في عمل معين، وشعرت بعدم التمكن من القيام بهذا العمل، فإنه يحدث لك ما يُسمى التنويم المغناطيسي الذاتي، أو الإيحاء الذاتي، فتتحجّم إمكاناتك وقدراتك، ويعجز أحيانًا تفكيرك لتأكيد فكرة عدم القدرة، وفي النهاية تدخل في حلقة شيطانية من الاعتقاد بالعجز وضعف القدرة، ما يؤدي بالفعل إلى العجز وضعف القدرة، بينما إذا كان لديك اعتقاد راسخ بأنه لا يوجد شيء في العالم يمكن أن يخيفك فإنه غالبًا سيذهب عنك بلا رجعة.
إن الدخول في حمى الله ومعيته، والاستمتاع بمقتضيات تلك الحماية من سكينة وطمأنينة وراحة البال، وعدم الخوف من المستقبل أو حزن على ماضٍ هو أفضل الطرق لتحقيق الطمأنينة والراحة النفسية، وفي هذا يقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى «فمن قام بحقوق الله عليه فإن الله يتكفل بجميع مصالحه في الدنيا والآخرة، ومن أراد أن يتولى الله حفظه ورعايته في أموره كلها فليرع حقوق الله عليه، ومن أراد ألا يصيبه شيء مما يكره فلا يأتي شيئًا مما يكرهه الله منه».
إستشارت.. مستشارك الأسري
– تسأل إحدى القارئات: أولادي يرون الحياة لهوًا ولعبًا فقط وليس عندهم أي عمل للغد ولا يقبلون النصيحة.. ماذا أفعل معهم؟.
-الإجابة: بالنسبة لمشكلة أطفالك، يجب أن تعلمي أن تحديد خطوات العلاج بالأسلوب المُناسب لكل علّة أمر تفرضه الطبيعة الإنسانية، ويجب أن تعنى المعالجة بالأسباب الحقيقية التي أدت إلى المشكلة، فالتركيز في علاج مشكلات أطفالك ينبغي أن يكون على الأسباب والعوامل التي أدت إليها بدلًا من أن يكون على أعراض المشكلة، ولكن يشترط في هذا العلاج أن يكون بالحكمة والصبر.
– بالنسبة لدراسة أطفالك، يجب علينا أن نبحث عن أساس المشكلة، فإذا لم يلق الطفل المعاملة التربوية الحسنة في المدرسة، وإذا لم يستوعب المناهج المتطورة، فإن حياته سيصيبها الفساد والتقاعس عن التحصيل العلمي، ويحل جو الملل والضيق في نفسه، وتنقلب حياة المدرسة عنده إلى صورة قاتمة.
– ولذلك لابد من الاستفادة من أوقات فراغهم وهذه مسؤولية الأسرة ومن ثم فالواجب يحتم توجيه الأولاد بالقدوة والموعظة الحسنة، مع إعطائهم فرصة للتعبير عن آرائهم وميولهم واتجاهاتهم، ومراقبة سلوكهم من حين لآخر، ومناقشتهم بطرق هادئة وهادفة لإظهار فوائد الصحبة الصالحة الحسنة، وإظهار مضار الصحبة السيئة.
– يجب العمل على تشجيع الأطفال على المشاركة الاجتماعية وذلك عن طريق برامج التوعية والثقافة الإسلامية في المدارس، وعن طريق نشاطات المسجد في تحفيظ القرآن والندوات الثقافية والحلقات العلمية، كما يجب على الأبوَين أن يرسّخا هذا الحب الموجه نحو الأبناء، فالحب الحقيقي، ليس الحب الذي سيتحول إلى وسيلة يتمتع فيها الأبناء ويبتعدان عن جادة الصواب، كما يجب العمل على مساعدة الأبناء في بناء مستقبلهم بالتفكير لهم في مشاريع صغيرة تنمي أفكارهم وإبداعاتهم، فكل واحد منا لديه إبداعات ولديه أفكار إيجابية، ولكن المشكلة أنه لم يجد البيئة الصحيحة التي ينمي فيها هذه الأفكار، كما يجب ألا تكون النصيحة من طرف واحد بل لا بد من شراكة الأب والأم مع بعض في ذلك.
التفكير الإيجابي:
– الرضا يفتح باب السلامة، فيجعل القلب سليمًا نقيًا من الغش والغل.
– لا تضيّع صحة جسمك وفراغ وقتك بالتقصير في طاعة ربك والثقة بسالف عملك، فاجعل الاجتهاد غنيمة صحتك، والعمل فرصة فراغك.
– لا تمضِ يومك في غير منفعة ولا تضع مالك في غير منيعة، فالعمر أقصر من أن ينفد في غير المنافع، والمال أقل من أن يصرف في غير الصنائع.
– للسعادة والفلاح علامات تلوح، وإشارات تظهر وهي شهود على رقي صاحبها ونجاح حاملها، وفلاح من اتصف بها.
– قيمتك في معانيك الجليلة وصفاتك النبيلة.
– سعادتك في معرفتك للأشياء، واهتمامك وسموك.
– من حسن الطالع وجميل المقابلة تبسّم الزوجة لزوجها والزوج لزوجته، إن هذه البسمة إعلان مبدئي للوفاق والمصالحة.
همسات:
– لا تكثر من انتقاد زوجتك، فالزوجة لا تحب من ينتقدها بكثرة، فالانتقاد المتكرر دليل الرفض وقدح في الحب.
– لابد من احترام الزوجة، فالله كرمها كإنسانة أولًا، وثانيًا زوجتك التي اخترتها من بين نساء الأرض، وثالثًا أم أولادك وبناتك، ورابعًا حافظة سرك وخصوصيتك، وخامسًا راعية سكنك وراحتك وطمأنينتك.
– الحب أعظم نعمة ينعم الله بها على الزوجين، ومنه تنبع كل أنهار السعادة والتوفيق والنجاح.
– حافظ على استمرار الحوار بينكما.