الغاز القطري متقدّم في المنافسة مع الروسي
قطر تبقَى المزوّد الأساسي المضمون لكل زيادات الطلب في آسيا

بقلم/ رندة تقي الدين:
إعلانُ شركة غازبروم الروسيّة للنفط والغاز عن انتهاء بناء خطّ أنابيب غاز نورد ستريم ٢ الذي يربط روسيا بألمانيا صادف يوم أن أشارت صحيفة لوموند الفرنسية إلى أنّ توجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو لعدم دعم مشروع توتال إنيرجي لبناء معمل غاز ضخم LNG2 مع نوفوتيك الروسية في القطب الشمالي في روسيا لتصدير الغاز إلى آسيا.
فالمشروعان، الأول الذي يربط روسيا بألمانيا والذي انتهى العمل عليه أثار الكثير من الأخذ والرد بين الإدارتَين الأمريكيتَين السابقة والحالية مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حتى أقنعت الرئيس الأمريكي بضرورة استئنافه.. وكان رفض بايدن لهذا المشروع لأسباب سياسية وعلاقات روسيا بأوكرانيا وكل ما قامت به روسيا، وتوتّرت العلاقات بين الرئيسيَن الأمريكي بايدن، والروسي فلاديمير بوتين، وكان المشروع شبه منتهٍ عندما رغب بايدن في إيقافه، ولكن في النهاية أقنعت ميركل بايدن بأن ألمانيا بحاجة إلى هذا المشروع في الفترة الانتقالية وإلى الطاقة المتجددة. و»نورد ستريم ٢» يضاعف خط الأنابيب الممتدة تحت بحر البلطيق من أجل تسليم الغاز الروسي إلى ألمانيا وأوروبا التي شاركت في تمويله.
أما مشروع LNG 2 فهو أيضًا مشروع عملاق بين توتال إنيرجي الفرنسية والقطب الشمالي لبناء معمل ضخم لتسييل الغاز لتصديره لأوروبا وآسيا. فكانت فرنسا في البداية توقّعت دعم المشروع عبر ضمان قروض للشركات الفرنسية التي تعمل فيه بواسطة البنك العام للاستثمارات الفرنسي Bpifrance.
إلا أنه حسب لوموند اختار ماكرون خلال المؤتمر العام للاتحاد الدولي لحماية البيئة أن يُدلي بتحفظاته دون الإشارة بوضوح إلى المشروع، قائلًا: «لن تنتظر فرنسا القوانين لاتخاذ كل الإجراءات التي يمكنها اتخاذها كي تحمي البيئة في القطب الشمالي من مشاريع اقتصادية تنفذها الشركات. «ومشروع القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال LNG2 والمجموعات البيئية انتقدت المشروع وعدم تحديد ماكرون موقفه بصراحة حوله. أما مجموعة توتال إنيرجي فتأسفت لعدم مواكبة الدولة الفرنسية هذا المشروع للغاز الطبيعي الذي سيزوّد آسيا والصين كي يحل مكان الفحم. الدعوة الحازمة من وكالة الطاقة الدولية لإيقاف أي استثمارات فورًا في منشآت نفطية وغازية جديدة من أجل التوصل إلى صفر كربون في 2050 ودخول ماكرون في فترة حملة انتخابات الرئاسة الفرنسية التي ستجري في أبريل من السنة المقبلة قد يمثلان عاملين مهمين للتخلي الفرنسي عن دعم توتال إنيرجي للمشروع. فمشروع LNG2 للقطب الشمالي قد يؤثر سلبًا بشكل كبير في قاع البحر، خصوصًا أنه من الآن إلى 2023 فإن السماح لدخول الناقلات إلى المنطقة قد يتطلب تغرين قاع البحر ما يؤدي إلى التخلي عن حفظ التنوع البيولوجي البحري. وحسب صحيفة لوموند فإن الإعلام الروسي نشر مقالات عديدة لخبراء بيئة من الأكاديمية الروسية للعلوم يظهرون القلق على حماية ثروات قاع البحر ويتخوّفون من إزالتها.
إن هذه التحفظات على مشاريع روسيا للغاز تؤكد أن قطر تبقى المزود الأساسي المضمون لكل زيادات الطلب على الغاز الطبيعي في آسيا. صحيح أن احتياطي روسيا من الغاز الطبيعي ضخم ولكن روسيا تعرف أن هنالك مشاكل سياسية مع أوروبا التي لا تريد مضاعفة حصة الغاز في الاستهلاك الأوروبي. فكميات الغاز الروسي المصدرة لأوروبا ستكون محدودة بفعل الانتقال الأوروبي إلى الطاقات المتجددة والابتعاد عن الطاقة الأحفورية من أجل التوصل إلى صفر كربون حتى ولو أن الغاز أنظف طاقة من النفط والفحم ولكنه يبقى طاقة أحفورية. ومن الطبيعي أن تبحث روسيا عن تنويع أسواق لغازها. وبما أن الطلب على الغاز في آسيا يزداد بشكل كبير تسعى روسيا لزيادة الغاز إلى آسيا. ولكن آسيا ما زالت تعتمد بشكل كبير على إمدادات الغاز القطري الطبيعي، ولو أن الصين ودولًا آسيوية أخرى تشتري كميات من الغاز الروسي، ولكن قرار قطر بزيادة إنتاجها من الغاز كان صائبًا نظرًا لزيادة الطلب على الغاز في آسيا. علمًا بأنّ ارتفاع أسعار الغاز مشجع للدول المنتجة وللتنافس بين مصدري الغاز في المنطقة الآسيوية، منها أيضًا أستراليا وهي مصدر كبير لآسيا. ولكن موقع قطر واستثماراتها في صناعة الغاز الطبيعي المسال وعلاقاتها التجارية القديمة مع عدد كبير من الدول الآسيوية يجعل مكانتها متقدّمة على المنافسين الآخرين لتصدير الغاز الطبيعي المسال.
صحفية لبنانية