بقلم/ رندة تقي الدين:

قمة غلاسكو في أسكتلندا للتغير المناخي Cop 26 التي ستعقد في أول الشهر المقبل ستعكس الفرق الشاسع بين الدول الصناعية والدول التي ما زالت تعتمد بشكل كبير على الفحم لطاقتها مثل الصين والهند. فقد طلب الرئيس الصيني الأسبوع الماضي من عمال مناجم الفحم أن يزيدوا إنتاجهم تخوفًا من أزمة الطاقة التي تهدد ثاني أكبر اقتصاد في العالم. نظرًا لزيادة الطلب على الفحم والنقص في العرض يمثل القرار الصيني تراجعًا عن التزامات هذا البلد الكبير بقرارات مؤتمر باريس للتغيير المناخي. فأزمة الطاقة الحالية في العالم حيث ارتفع سعر الغاز والنفط بشكل كبير في أوروبا والولايات المتحدة وآسيا بسبب ارتفاع الطلب إثر انتعاش اقتصاد العالم بعد جائحة كورونا قد تؤخر الابتعاد عن مصادر الطاقة الأحفورية لمصلحة الطاقة المتجددة في عدد من الدول.

وقد صدر مؤخرًا تقرير منظمة أوبك السنوي الذي يتوقع استمرار نمو الطلب على النفط والغاز وإن بوتيرة أقل حتى عام ٢٠٤٥ من انخفاض متواضع في حصة مصادر الطاقة الأحفورية إلى نحو 70% من الإجمالي. فمن بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي OECD دول مثل الولايات المتحدة وأوروبا تتطلع إلى تحقيق هدفها للتغير المناخي بأسرع وقت لأن في ذهن المسؤولين أن التغير البيئي تهديد لحياة شعوب بلدانهم فيما باقي البلدان منشغلة بمصير شعوبها في الأسابيع أو الفترة القريبة المقبلة وتأمين احتياجاتها الآنية وليس في غضون ثلاثين سنة. فيتساءلون كيف يزودون شعوبهم بالغذاء والتدفئة والكهرباء.

فهناك فرق شاسع بين انشغال الغرب بالبيئة وباقي الدول. وباقي دول العالم يعني 85% من شعوب العالم .فالانبعاثات الحرارية مرتبطة بعدد سكان العالم وأيضًا بالمستوى المعيشي للشعوب لأنه كلما تحسن المستوى المعيشي، زاد استهلاك الطاقة ففي مثل هذه الظروف من الصعب التوصل إلى صفر انبعاثات. أما الآن وأوروبا تشهد أزمة غاز وارتفاعًا في الطلب عليه ستزيد بعض الدول في استهلاك الفحم. فقمة غلاسكو عليها أن تعيد النظر في أهدافها وتتبنى قرارات أخرى أكثر واقعية. ولكن ضغط مجموعات البيئة في دول الغرب على السياسيين وإصرارهم الأيديولوجي أحيانًا ضد مصادر الطاقة الأحفورية سيفرضان على بعض الدول في غلاسكو ألا تتراجع عن التزاماتها السابقة وربما تعلن عن تعهدات جديدة نظرًا إلى التقرير الذي نشرته مجموعة خبراء الأمم المتحدة حول التغير المناخي وتأثيره بالأعاصير والحرائق والفيضانات في العالم. سيكون من الصعب تفادي التزامات وقرارات جديدة لمكافحة التغير المناخي. ولكن السؤال كيف سيتم التوفيق بين الحاجة الماسة إلى زيادة الطاقة الأحفورية وانشغال العالم الصناعي بضرورة مكافحة التغير المناخي. فشعوب أوروبا تنتفض حاليًا بسبب ارتفاع أسعار الغاز والنفط. فهي تعتمد بشكل كبير على الطاقة الأحفورية ولا يمكنها استبدالها حاليًا بطاقة متجددة التي هي غير متوفرة بما يكفي للاستهلاك .

فحاليًا الطلب على الغاز مرتفع خصوصًا أنه مصدر طاقة أكثر نظافة من غيره من الطاقة الأحفورية. لذا الدول الأوروبية التي تحول استهلاكها إلى الطاقة المتجددة مثل ألمانيا اعتمدته في المرحلة الانتقالية حيث أغلقت جميع المعامل المعتمدة على الفحم. والطلب على الغاز القطري زاد بشكل كبير في آسيا فالصين وقعت عقدًا مؤخرًا مع قطر ل 15 سنة لشراء الغاز. والآن نرى أن معظم الدول التي تعاني من نقص في الطاقة تبحث عن إمدادات من الغاز. واليوم وللسنوات القادمة مصدّرا الغاز الأساسيان مثل قطر وروسيا وكذلك الولايات المتحدة وبأقل كميات الجزائر ستحصل على مكاسب كبرى من عائداتها من الغاز بسبب ارتفاع سعره وارتفاع الطلب العالمي عليه. فيبقى الغاز مصدر طاقة نظيفة خصوصًا إذا قررت هذه الدول إنتاج الهيدروجين الأزرق للحد من الانبعاثات.

صحفية لبنانية