بقلم/ سليم عزوز:

بخروج «فيس بوك»، وتطبيقات أخرى من الخدمة، في الأسبوع الماضي، فإن مستقبل التطبيق الأكثر انتشارًا صار في مهب الريح!

فقد أيقن كثير من مدمني «فيس بوك» بالذات، أن عليهم التخلص من حالة الإدمان هذه، وإلا فإنهم سيكونون في «حيص بيص»، إذا تعرض هذا التطبيق لتوقف يستمر لأيام وربما أسابيع، لاسيما أن الشركة نفسها بدت عاجزة ليس في التعامل مع المشكلة وسبر أغوارها، على مدى سبع ساعات، خسرت فيها قرابة السبعة مليارات دولار، ونزح مئات الآلاف إلى تطبيق تليجرام الروسي، الأمر الذي قد يغري شركات أخرى بالدخول على خط المنافسة، وليس هذا فقط هو بيت القصيد!

لقد ظهر جليًا أن مؤسسات الدولة الأمريكية تنتظر الفرصة، للتقدم في اتجاه تحجيم نفوذ صاحب فيس بوك وضواحيه، فقد صار صاحب نفوذ مخيف، إذ استخدم هذا النفوذ في التأثير على إرادة الناخبين، وقد ذهبت السكرة وحلت الفكرة، فإذا كان هناك من ينسبون نجاح الربيع العربي إليه فإن القوم في الولايات المتحدة الأمريكية صاروا أكثر وعيًا بخطورة التأثير، وقد شاهدنا المبالغة في تقييد حركة الرئيس الأمريكي من خلال تطبيق منافس هو تويتر، حتى بدا الأمر ينتمي لسوء استخدام السلطة في مواجهة منشوراته، بتقييدها أو بحذفها.

وكان ترامب قد بدأ عهده في عداء مع الإعلام التقليدي، ظنًا منه أنه يستطيع أن يستغني عنه بالإعلام البديل، فلم يتوقف عن افتعال الأزمات والتحرش بالصحافة وقنوات التلفزيون، باعتباره يملك إعلامًا أكثر تأثيرًا ويمكن من خلاله التعامل مع الشعب بدون الحاجة لوسيط، هو القائم على الرسالة الإعلامية، وقد مثلت حالته دعاية لكل التطبيقات الشبيهة، فقام القادة بتقليده في توجيه الرسائل ونشر نشاطهم ليس فقط عبر تويتر ولكن عبر فيس بوك أيضًا، لاسيما في البلدان التي يكون التعامل فيها مع الأخير أكثر من منصة تويتر!

فلما بدا أن الرئيس الأمريكي قد حرق كل مراكبه مع الإعلام التقليدي، دخلت إدارة تويتر لتمارس ضده استبدادًا من نوع خاص، ولم يسعفه الوقت في أن يمارس الانتقام، لكن على ما يبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة، لا تريد أن تكرر نفس الخطأ، رغم أن هذه المنصات بدت أكثر انحيازًا لها في فترة الحملة الانتخابية، ومن هنا اعتبرت أن العطل الذي أصاب الفيس بوك، رمية بغير رامٍ!

عندي تحفظ على ما يبدو أنه بديهيات حول تأثير الإعلام الجديد، وفيس بوك على وجه التحديد، في الربيع العربي، ويبدو أن هناك من سعوا لتكريس هذا لافتعال أدوار لهم، وتلقف الأكاديميون في كليات الإعلام ذلك في البحث عن مجال جديد للدراسات الإعلامية، بعد أن بدت متشابهة ولا جديد يُذكر ولا إشكال يُبحث، فكان الاتجاه في المبالغة بأدوار هذه المنصّات!

لقد كنت أقرأ لأحد النشطاء السياسيين ما كتبه عن استخدام أكثر من ثلاثين مليونًا ل «فيس بوك» في مصر، الأمر الذي يجعل من تقييد الإعلام التقليدي، أمرًا لا قيمة له، فاته أن العالم تجاوز فترة المولد المنصوب لهذه المنصات سريعًا، والأولى بالدراسة هو الإشكالات والمعوقات التي تعوض الإعلام البديل، ويصل هذا التدخل في كثير من الأحيان إلى فرض معايير شديدة التعسف، كما يفعل «فيس بوك» نفسه في انحيازه لإسرائيل، وإلى درجة أن يضع حركات المقاومة جميعها ضمن الحركات الخطرة، كما يضع شخصيات فلسطينية بارزة ضمن الشخصيات التي لا يجوز ذكرها ولو بتقديم العزاء لها!

وقد امتد الحظر إلى حركة طالبان، وفي الوقت الذي أصبحت فيه حديث العالم وقادته، فإن منصة فيس بوك تعاملت معها على أنها تنظيم خطر لا يجوز ذكر اسمه!

والقول بأن التدخل يتم بالحظر ميكانيكيًا ليس صحيحًا، فالمنشورات الخاصة بالإسرائيليين وتتضمن اسم حركات المقاومة والشخصيات الفلسطينية، لا يتم الاقتراب منها بالحظر أو من الذاكرين بالتحذير، فالخاضع للرقابة هو ما يكتب إيجابيًا، الأمر الذي يسقط فكرة القواعد العامة!

وإذ اعتقدت أن الأزمة في اسم الحركتين الأبرز: حماس والجهاد الإسلامي، فقد أشرت ذات مرة إلى بيان أصدرته الفصائل مجتمعة، وذكرت ما دون حماس والجهاد بالاسم، وفي اللحظة التي ضغطت فيها على مفتاح النشر، وصلني الاعتراض مباشرة بأنها حركات خطرة، يخالف ذكرها معايير فيس بوك، وقد ذهبت بنفس المنشور، إلى حساب جديد وبديل، فلم أتلق هذا الرفض، الأمر الذي يسقط من ناحية، الحديث عن الرفض الميكانيكي، كما يؤكد -من ناحية أخرى- أن المستهدف هو الحسابات الأكثر متابعة، وبعد الحرب على غزة مؤخرًا أغلقت الكثير من هذه الحسابات، ومنها صفحتي العامة، قوة واقتدارًا، وبعد إغلاق مؤقّت كانت إدارة فيس بوك تقدم المبرر له، فإن الإغلاق النهائي لم يقدم شيئًا من هذا القبيل، فالحسابات مستهدفة بذاتها، فأي استبداد أكثر من هذا؟!

إن الحديث عن تأثير فيس بوك، محل نظر، حتى في الربيع العربي، تمنيت لو تبنى مركز أبحاث معتبر، إعادة مناقشة هذا الأمر من خلال استطلاع أعداد الآلاف ممن شاركوا في الثورة، إن كان علمهم اتصل بالمنشور في هذه المنصات؟ وكلي ثقة أن النتيجة ستكون مفاجأة لكثيرين هم الآن في حالة تسليم كامل لهذه الدعاية المضللة!

وبعيدًا عن هذا فإن فكرة وجود خمسة وثلاثين مليون مصري على الفيس بوك، لا تجعل منه وسيلة للنشر الواسع، فالرسالة لا تصل إلى كل المتابعين لأي صفحة من الصفحات ولا لأي نسبة معتبرة منها، منذ أن انغمس مارك في جني الملايين من الدولارات مقابل الترويج، ولو على حساب جودة الخدمة، على النحو الذي ثبت من خلال هذا العطل، فقد سقطت ثلاث منصات مرة واحدة، لأنها تعمل على نظام واحد، هي بجانب فيس بوك، واتساب وإنستجرام، وهو ما كشف عن هذا الاحتكار المرفوض!

لقد استمع الكونجرس عبر إحدى لجانه لموظفة سابقة لدى مارك، بدا واضحًا أنها ستكون بداية لتدخل قانوني، لن يكون لصالحنا بالتأكيد، لكنها ستكون انتقامًا للإضرار بمصالحنا والتلاعب بها من خلال مارك والذين خلفه!

لقد ذهبت السكرة وحلت الفكرة.

كاتب وصحفي مصري

[email protected]