المنبر الحر
علينا تجنّبها في العلم والعمل

المجاملة… متى تكون؟

بقلم/ د. يوسف رحايمي:

تحتلّ المجاملةُ في العرف المُجتمعي مكانةً مهمةً، ذلك لأنّه لا يمكن أن نتخيّل خلوّ الخطابات على تنوّعها رسمية كانت أم عادية من نكهة المجاملة من أجل إنجاح التواصل والتأثير فيمن نريد التأثير فيه. غير أنّ المجاملة على بساطتها في القول فإنّها في مستوى التعامل تبدو معقّدة، ذلك لأنّها قريبة من مجال النفاق الاجتماعي، فيقال إن من يجامل هو في حقيقة الأمر ينافق، وهذا غير صحيح، لأنّ المجاملة شيء والنفاق شيء آخر، فالمجاملة هي نوع من انتقاء الكلام الجيد من أجل استمالة الآخر وبثّ روح التقدم فيه، كما يمثل النفاق ضربًا من مدح الآخر بشيء غير موجود فيه. ورغم هذا التمييز فإنّ الأمر ليس بالبساطة ولكن يبقى السياق هو مفتاح الأمر.

نأتي هنا إلى كشف اللثام عن سُلطة المجاملة والأدوار التي يمكن أن تلعبها في الخطاب اليومي، فهي تتحرك في فضاء تحكمه طقوس خاصة، حيث تقع في حيز الخوف حينًا والحب حينًا آخر، وقلما نجد المجاملة تستوطن الكلام الشّفاف الذي تكون فيه العلاقة بين المتكلمين نقيّة نقاء روح الكلمات. لذلك فإنّ الموقف هو الذي يحدّد طبيعة القول المجامل.

الخطير في المجاملة أنّها أحيانًا تخفي تصوّر القائل وصدق اعتقاده فيك، فيركب خطاب المجاملة بغية خوض تجربة تواصلية تكون مدفوعة بعامل الخوف، فيجاري الموظف رئيس عمله، ويجاري العاملُ المشرفَ عليه، وقد نصل بالمجاراة إلى مواطن الودّ والاحترام، فنجامل من نحبّ. ومن جهة أخرى تنشأ فكرة المجاملة بدافع الطمع، فأحيانًا وفي سياقات متعدّدة نحن مطالبون باستعمال المجاملات ابتعادًا عن الضرّر وجلب المصلحة، فأنت في هذه الحال وكأنك تخوض حربًا و »الحرب خدعة» فيكون سلاحك «فنّ المجاملة» من أجل كسب شيء ما.

وما دمنا في «فنّ المجاملة» فينبغي لنا الإشارة إلى أنّ المجاملة ليست عملية سهلة ليمتهنها الجميع، فهي عملية معقّدة وإنْ بدت بسيطة، وقد تودي بصاحبها في بعض الأحيان إلى نتائج عكسية غير ما كان يتوقّع، خاصة حين يكون الطرف الموجّه له الكلام داريًا بدقائق الخطابات وعالمًا بخفايا ونوايا الآخر.

«أنا أجامل إذن أن موجود». قد تكون هذه العبارة تلخيصًا لكل الكلام، فالمجاملة هي أسلوب حياة يستعملها الأشخاص في الواقع اليومي، وتدخل في باب المعاملات، نظرًا لسلطتها التواصلية العالية، فمن يجامل يكسب ودّ الآخرين. ولكن لابدّ من الحذر يجب ألا تكون (المجاملة) سبيلًا لكل المحطات، فهي قد تؤدي إلى مخاطر مجتمعيّة، وتنخر روح العطاء وتفسد حياة المجتمعات، يجب ألا نجامل في العلم والعمل والحقّ والفضيلة، وأبسط ما يمكن أن نفعله أن نعطي لكل ذي حقّ حقه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X