
بقلم/ بابكر عيسى أحمد:
كانَ حدثًا استثنائيًّا الذي بدأ في الثلاثين من نوفمبر ويتواصلُ حتى الثّامن عشر من ديسمبر الحالي.. ويعتبرُ استثنائيًا لشدّة الإبهار وروعة الإخراج التي جعلت منه تحفةً فنّيةً رائعةً ومبهرةً وجميلةً، وهو حدثٌ ظلَّ يتابعه الناسُ في كل قارات الدنيا، وبالأخصّ في العالمَين العربي والإسلامي.
«أرحّب بكل العرب في دوحة العرب»، بهذه الكلمات الصّادقة والنّابعة من قلب مؤمن بالعروبة والإسلام انطلقت كلمات حضرة صاحب السّموّ الشّيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المُفدّى- حفظه الله ورعاه- معلنةً انطلاق بطولة مونديال العرب «فيفا قطر 2021»، حيث رحّب سموه باسمه وباسم الشعب القطري بكل العرب في دوحة العرب، متمنيًا للجميع الاستمتاع بهذه البطولة الكُروية العربية الفريدة التي تهدف إلى تقوية أواصر الأخوة والصداقة بين شعوبِنا الشقيقة، راجيًا التوفيقَ لكل الفرق المُشاركة.
وكان الحدث- الذي شهده صاحب السموّ الأمير الوالد الشّيخ حمد بن خليفة آل ثاني -حفظه الله- وصاحبة السموّ الشّيخة موزا بنت ناصر، وعدد من أصحاب الفخامة قادة الدول الشقيقة وكبار الشخصيات الخليجية والعربية والدولية- استثنائيًّا لأنه كان مبهرًا بكل المقاييس بحضور تجاوز تعداده 60 ألفَ متفرّج امتلأت بهم مدرجات استاد البيت الذي كان تحفةً فنّيةً نادرة تشير إلى التّاريخ العربي والأصالة العربيّة.
قطر في مثل هذه المُناسبات تبقَى على الدوام متفرّدة ولكنها في هذه المُناسبة، وهذا العرس الكُروي العربي الذي هو بروفة للعرس العالمي الذي تستضيفه عام 2022 تفوقّت على نفسها، فأخرجت إبداعًا أبهر الجميعَ وتعدّدت الفقرات الفنية والموسيقية التي تحكي إبداعَ وفنون وتراث العرب عبر الأجيال.
كانت التكنولوجيا السمعيّة والبصريّة حاضرة، حيث تمّ استخدامها في تناغم فريد أبهر الجميعَ، كما تناول العرض الفني- في لفتة فارقة وغير مسبوقة- الطيور العربية المهاجرة التي رحلت عن أوطانها بحثًا عن بيئة عمل وحياة أفضل، في أوطان تحتضن إبداعهم ساهموا من خلالها في بناء الإنسان على المستوى العالمي، وقدّم لهم الحفل تحية تقدير وإجلال من شعوبهم ومن أوطانهم لمجهوداتهم الإنسانية والعلميّة.
كان حدثًا استثنائيًا لأنه ضمّ مجموعةً من المطربين العرب في حفل الافتتاح المبهر وعروضًا موسيقيّة وفنية، إضافة إلى فقرة تستعرض تاريخ المنطقة العربية، وتروي مآثر العرب وصدقهم وتكاتفهم، وفقرة مزجت بين السلام الوطني- رمز العزة والكرامة- وأغنية تفاعل معها الجمهور العريض، وكان النشيد الوطني الفلسطيني الأكثر حضورًا في هذا الكرنفال المبهر. وبخاصية الهولجرام المُبهرة والفريدة ظهر على خلفيّة المشهد الكوميديّ الراحل سعيد صالح، والمبدع الكويتيّ الذي قدّم الكثيرَ والمُثير قبل رحيله عبدالحسين عبدالرضا، والرائعة فيروز، وسيدة الغناء العربي أمّ كلثوم.
في تلك الليلة العربية لم تبهر قطر عالمنا العربي، فحسب بل أبهرت العالم بأسره حيث تلألأت تحت الأضواء العالمية، ووقف استاد البيت- الذي شهدَ حفل الافتتاح المونديالي- شامخًا في عزّة ومهابة يعيد لمدينة الخور تاريخها التليد، والتحيّة للجنة المنظمة التي جعلت هذا الإبداع ممكنًا وجعلت الجماهير تستمتع بالبرنامج الترفيهي الشامل بدايةً من الوصول حتى المغادرة. وألقت تلك الفعاليات الثقافية والتراثية الضوءَ على الثقافات العربية والتعرّف على التراث القطري.. ويشكر للجنة المنظمة أنّها أعدت باقة واسعة من الفعاليات المصاحبة والأنشطة الترفيهية في المناطق المحيطة بخمسة من الاستادات الستة المُستضيفة للبطولة، وهي: البيت، وأحمد بن علي، والجنوب، والثمامة، واستاد 974.
روعة ما حدث أنه ما قدم للجمهور كان حدثًا غير معهود وغير مسبوق في زمن نحن أحوج ما نكون فيه لسماع الصوت العربي الواحد، وهو تحرير فلسطين وعودتها إلى حضن الوطن العربي الأمّ.
لن نجعل اليأس يسكن مآقينا ما دام في هذه الأمة عرق ينبض بحبّ العرب والعروبة، وما دامت إمكانية توحدنا باتجاه هدف واحد ممكنة وليست مستحيلة، وما نحتاجه أن نطهّر أنفسنا من الزيف، وأن ننفض عن أكتافنا أثقال الذل والمهانة والانكسار، والأمة غنية بشبابها وقياداتها الرشيدة والحكيمة، والطريق ما زال طويلًا.
أعتقد صادقًا أنّ كل من شارك في هذا الكرنفال منتصرٌ، فليس بيننا مهزوم. وكما قال سعادة السيد جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم- الذي شارك سموّ الأمير المُفدّى في حفل الافتتاح- موجهًا حديثه بالعربية «أهلًا وسهلًا .. قطر بيت الوحدة.. قطر بيت العالم العربي اليوم وبيت العالم كله غدًا»، وهذا ما نأمله ونتمنّاه اليوم وغدًا وفي المُستقبل.
إن الأحداث الكبيرة تعكس إرادة الرجال القوية والقادرة والتي تملك الرأي والرؤية لتعبر بالأمة إلى طريق الخلاص، والانعتاق، والتحرر من أدران الماضي بكلّ مآسيه.
الافتتاح الحدث كان فخرًا واعتزازًا للجميع وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي والمنظومة العربية، وعليه يمكن أن تبنى خطانا في الطريق نحو المُستقبل الذي نحلم به.
هذه البروفة المدهشة هي فقط مقدمة لحدث كبير تستضيفه قطر لأوّل مرة في تاريخ العالم العربي والإسلامي، وهو مونديال كأس العالم لكرة القدم في العام 2022، وأنا على يقين أنَّ الحدث الأكبر سيكون أكثر إبهارًا من هذا الذي عايشناه في 30 نوفمبر الماضي، والقادم دائمًا أجمل وأكثر إشراقًا وإبهارًا بإذن الله، وبإرادة الرجال الصادقين. ونسأل الله أن نعيش وأن نرى قطر تخطّ بثقة واقتدار في مدارج العزّة والافتخار.