ما بين السطور.. جيل اليوم وجيل الأمس
الجيل المظلوم هو الذي يمتحن كل شهر في كل المواد.. وكل ثلاثة أشهر في المواد السابقة كلها

كل منهم يتناحر في مَن منهم هو الجيل المظلوم.. لسنا هنا لنحكم بل لنسرد ما كان يحدث لأي جيل مظلوم.. الجيل المظلوم ينهضون مع الفجر، ليخرجوا إلى موقع معين في الشارع، يجتمعون فيه مع أبناء الحي بانتظار الحافلة الحمراء.. في البرد وفي الحر، في المطر، وفي الرياح الغاضبة والغبار..
الجيل المظلوم هو الذي كان يسير على قدميه ذهابًا وإيابًا للمدرسة، في مسافة لا تقل عن الـ ثلاثة كيلومترات كل يوم، في الشمس والحر والمطر والرياح.. الجيل المظلوم هو الذي حين يتأخر عن دخول الفصل بعد المعلم أو المعلمة، يلقى العصا الغليظة تنهال على كفيه حتى تدمى..
أو تنهال على قدميه (بالفلقة) حتى يصرخ بأمه وأبيه لكن دون من يسمع..
الجيل المظلوم، هو الذي كان يقف في الطابور في الشمس الحارة والأجواء المتقلبة، حتى يسمح لهم بالدخول إلى فصولهم..
الجيل المظلوم هو من يُصاب أحدهم بضربة شمس بسبب تأخر المعلم أو المعلمة عن الحضور لإدخالهم إلى الفصل، ولا يراه أحد، لا ممرض ولا مسعف، بعكس ذلك يلقى اللوم والعقاب القاسي على إصابته تلك، على رأي المعلم الذي يدعي أن هذا الطالب يدعي تلك الحركة حتى يحاسب المعلم على تأخره..
الجيل المظلوم، هو الذي يمتحن كل شهر، في كل المواد، وكل ثلاثة أشهر في المواد السابقة كلها، ثم يمتحن في كل المنهج الذي تعلمه من أول العام حتى نهايته.. كل عام..
الجيل المظلوم هو الذي كان يجلس في الفصل وثيابه تنضح عرقًا، ولا شيء سوى بعض المراوح التي تدوّي فوق رؤوسهم، وكأنها سوف تغتالهم، دون رحمة أو شفقة..
الجيل المظلوم، هو الذي ينال في مادة العلوم الشرعية درجة أقل من الطلبة المُعفين من هذه المادة وهم من غير المسلمين، لكنهم هم المتفوقون على أبناء المسلمين حتى في مادة دينهم.. الجيل المظلوم هو الذي لم يكن يستطيع الحصول على الملابس الثمينة، والأحذية التي لا تهترئ، ولم يكن يعرف شيئًا عن الدروس الخصوصية أبدًا، اللهم إلا القليل منهم.. والذين يحضرون بسياراتهم الخاصة ويعودون بها..
الجيل المظلوم هو الذي كان ملزمًا بقراءة الروايات الإنجليزية والتي هي أعلى من مستواه المعرفي والعلمي..
ومع ذلك فهو الجيل الأول الذي غادر البلاد في بعثات دراسية، ليمتهن الطب والصيدلة والهندسة والقانون والفنون بجميع أنواعها، من ديكور وسينما ومسرح وموسيقى وإعلام..
هو الجيل الذي قاد البلاد في نهاية السبعينيات من القرن السابق، ليكونوا أوائل الأطباء والمهندسين والفنانين والقانونيين، وغيرهم، والذين تشهد عليهم إنجازاتهم المرئية والمسموعة في كل ركن من البلاد..
لم يتوقفوا عن العطاء، حتى دار الزمن دورته، ليخطف الرحيل من خطف، وليتقاعد الباقون بعد أن خلفوا وراءهم تركة عظيمة من الإعدادات والإنشاءات والمشاريع الحديثة..
في النهاية، ليس هناك من جيل مظلوم وجيل مرفه، فالزمن يدور ويتغير من دورة لأخرى، والابتكارات والإنشاءات والأفكار تتغير من زمن لآخر، الكبار يُعلمون الصغار، والصغار يتعلمون من الكبار، ويحاولون أن يفتخر بهم أولئك الآباء والأمهات، ويفتخر بهم الوطن..
لقد هيأ الجيل القديم الأرض للزراعة والري والنماء، وهيأ الأسس القوية لبناء المستقبل، وبناء غد لا يعرف أحد منهم كنهه وإمكاناته..
وها هو العصر الحديث يقوم على أعناق الأبناء ممن وظفوا علومهم وتخصصاتهم المختلفة، لبناء هذا الوطن في كل الميادين، بكل حب وعزم وإرادة.. فهنيئًا لنا هذا الوطن الذي أتاح لنا التعليم في كل الدروب، وفتح لنا أبواب العمل على مصاريعها، ومنحنا الثقة الغالية للقيام بأدوارنا في الرعاية والعناية بهذا المجتمع بكل أطرافه وحدوده.. هنيئًا لنا ولكل قطري هذا الصرح الذي بني بأيديهم وعزمهم وحبهم الكبير..