الأعمال من منظور مختلف.. «الاحتيال الذي يحقق منفعة للمؤسسات»
تزييف القوائم المالية من أنواع التحايل الشائعة ويعني عرض معلومات غير صحيحة ومُضلّلة

المفهوم الدارج لمصطلح الاحتيال هو أنه عملية خداع مُتعمّدة يقوم بها طرفٌ ضدّ طرفٍ أو أطرافٍ أخرى لتحقيق مصلحةٍ شخصيةٍ، ومن المؤكد أنها تسبِّب ضررًا للأطراف الأخرى.
ولكن عُرف الاحتيال في المعايير الدولية للممارسة المهنية للتدقيق الداخلي: هو أي عمل غير قانوني يتَّسم بالخداع أو الإخفاء أو انتهاك الثقة. وهذه الأعمال لا تعتمد على استخدام التهديد بالعنف أو القوة الماديّة. وترتكب أعمال الاحتيال أطرافٌ أو مؤسسات بقصد الحصول على المال، أو الممتلكات، أو الخدمات أو لتجنُّب دفع مبالغ، أو لتفادي فقدان خدمات، أو مِن أجل ضمان الحصول على مزايا شخصية أو تجارية.
نستنتج من تعريف مفهوم الاحتيال أن المحتال لا يستخدم القوة لتنفيذ حيلته، ولكن يتعمَّد خداع الطرف الآخر حسب نوع العملية. ويوضح المفهوم أن المحتال قد يكون فردًا أو مؤسسةً تُمارس الحيلة بهدف تحقيق مصلحة. في هذا المقال سنتعرّف بشكلٍ عامٍ على الممارسات الاحتيالية التي تقوم بها بعض المؤسسات في دول العالم، وكيف تحقِّق هذه المؤسسات منافع تجارية تفيد المؤسسة.
إنّ «الرشاوى» والتي تكون أحيانًا بصورة تبرُّعات، من أكثر عمليات الاحتيال التي تلجأ إليها المُنظّمات لتحقيق مزايا مثل ترسِيَة المناقصات والفوز بالعقود، أو لتتجاوز المنظمة القيود القانونية بهدف تحقيق ميزة تنافسية أو منفعة.
ومن الأمثلة على جريمة المدفوعات غير السليمة ما قامت به واحدةٌ من كبرى شركات صناعة الطيران من خلال دفعها لرشاوى عبر وسطاء لتسهيل عقود بيع طائرات لعددٍ من الشركات المختلفة حول العالم.
ومن الأمثلة الأخرى لعمليات الاحتيال التي تحقِّق فائدةً للمنظمات هي «التحايُل في أسعار عمليات التحويل»، فغالبًا ما يتم اللجوء لهذه العمليات في المؤسسات التي لديها شركات تابِعة أو تُمارس تأثيرًا جوهريًّا على شركات تملك بها حصةً كبيرة. مثال على ذلك أن تحقِّق شركة تابعة أرباحها في دولةٍ لا تفرض ضريبة على الأرباح أو تفرضها بشكلٍ محدودٍ من خلال عمليّات تحويل الأرباح من الشركة الأمّ، وباستخدامها هذا النوع من أنواع التحايُل تجنَّبت الشركة الأمّ – في دولة تفرض ضريبة عالية – دفع ضرائب على الأرباح.
تزييف القوائم المالية، من أنواع التحايل الشائعة، ويعني عرض معلومات غير صحيحة ومُضلّلة عن وضع الشركة المالي، تهدف إدارة الشركة إلى تحسين الصورة المالية للمؤسسة ويتضمَّن هذا النوع من الاحتيال على عددٍ من الطرق المستخدمة: مثل زيادة حجم الأصول من خلال التقدير الخاطئ المتعمَّد، خفض حجم الالتزامات على الشركة، عدم الإفصاح عن مطالبات قضائية على الشركة في التقرير المالي، وغيرها. قد لا يكون السبب الوحيد في تزييف القوائم المالية هو تحسين الصورة المالية للمنظَّمة، ولكن من الممكن أن يكون بسبب منافع شخصية، مثل رغبة أعضاء مجلس الإدارة بالحصول على مكافآت مجزية كونها مُرتبطة بالأداء المالي للشركة.
ليست جميع عمليات الاحتيال تحقِّق فائدة للمؤسسات، ولكنّ هناك نوعًا آخر أيضًا من عمليات الاحتيال التي لم أتطرّق لها والتي تضرّ بالمؤسسات. حتى وإن حققت هذه الجريمة منافع للمؤسسة في فترةٍ معينةٍ فإنها تعدّ تزييفًا للحقائق، وهو ما يتنافَى مع أخلاقيات الأعمال، فيجب على كل موظفٍ في أي منظمة كانت أن يعي عواقب الاحتيال على المجتمع وأن يكون مُساهمًا في التبليغ عن الممارسات غير الأخلاقيّة لردع الاحتيال، ويجب أن تملك المنظمات ثقافةً أخلاقيةً لمنع الاحتيال، كما يجب على المُدقّقين الداخليين في المؤسسات بذل العناية المِهَنية اللازمة في فحص وتقييم مدى كفاءة الضوابط الرقابيّة لمنع الاحتيال.
ختامًا، عمليات الاحتيال التي تحقِّق منفعةً للمؤسسات لم يغفل عنها المشرّع القطري في قانون الشركات التجاريّة في المادة رقم 334، حيث حدَّد عددًا من طُرق الاحتيال المُتعارف عليها والتي يعاقِب عليها القانون.
أخصائي معتمد في مكافحة غسل الأموال
معهد الامتثال العالمي – GCI