أمير عثماني في الأسر!
بعد موته في نابولي أقام السلطان بايزيد صلاة الجنازة عليه غيابيًا وأعلن الحداد في السلطنة ثلاثة أيام

بقلم/ سامي كمال الدين:
كانَ السلطانُ محمد الفاتح يلفظ أنفاسه الأخيرة في عام 1481 وتصارع ولداه بايزيد وجم على الحكم.. بايزيد يزيد عمره بسنوات تسع على شقيقه الذي كان في قونيا وقت وفاة والده، ثم ذهب إلى بورة وجعل من نفسه سلطانًا على بورصا وخطب في الشعب وأصدر عملات جديدة باسمه.
هزم جم في معركة يني شهير عام 1481 في مواجهة أخيه بايزيد ففر إلى طرسوس ومنها ذهب إلى مصر التي استقر فيها مع زوجته وأولاده، وسافر لأداء فريضة الحج ليكون أول أمير أو سلطان عثماني من البيت العثماني يؤدي فريضة الحج. حاول جم كثيرًا السفر إلى إسطنبول والاستيلاء على العرش العثماني لكنه فشل، فقبل دعوة قائد فرسان رودوس بيير دي أوبسون لزيارة «رودوس»، وبعد وصوله أرسلوه إلى فرنسا ليقع في الأسر لمدة ثلاثة عشر عامًا. لم يهمل السلطان بايزيد شقيقه فكان يرسل المال إلى فرنسا وإلى البابا من أجل حياة مناسبة لأخيه، لكن أوروبا التي كانت في صراع دائم مع الدولة العثمانية أدركت أنها ظفرت بصيد ثمين، أسر أمير عثماني حولوه لنصر سياسي، وراح الباب يحصل على الهدايا من السلطان بايزيد منها الرمح المقدس. اكتسب جم سلطان تعاطفًا في العديد من دول العالم، بل وظهرت طائفة في الدولة العثمانية أطلقت على نفسها «طائفة جم سلطان». فجم لم يحكم سوى عشرين يومًا، لذا رأى البعض أنه ظلم، كما أن قصة أسره أكسبت شعب السلطنة تعاطفًا كبيرًا معه، وبدأت صورة «التركي المرعب» و «المستبد» حسب وصف مونتسكيو وعدد من الرحالة والمفكرين تتغير في أوروبا تجاه التركي بسبب جم سلطان، فقد كان متعلمًا وشاعرًا ووسيمًا ومنفيًا بعيدًا عن أهله، ومظلومًا وله رحلات صيد دائمة، وله روايات كتبت عنه في قصص العشق، سمي في أوروبا «Zizim prens»
تروي الأسطورة أو يروي جوي ألارد في روايته التي نشرت عام 1673 بعنوان «الحب بين الأمير العثماني جم وفليبينا-هيلين ساسيناج» التي قال إنها تعود إلى وقائع تاريخية أن الأمير جم ذهب للصيد ذات يوم، وتعب من الصيد فأراد الحصول على بعض الراحة وترك حصانه بجواره، اقترب منه حصان فوقه فارس، ظن جم أنه يريد قتله، فإذا بها امرأة جميلة، ألقى عليها السلام، لكنها تركته وابتعدت عنه.
بعد وقت ليس بالقليل كان جم يلعب الشطرنج في بيت جوي دي بلانكفورت، وعرف أن هناك ضيوفًا حلوا عليه: جان دي ساسيناج وشقيقته فليبينا، وسرعان ما أدرك أنها نفسها الفتاة الجميلة صاحبة الشعر الطويل التي التقاها فوق حصانها أثناء راحته من الصيد. سأل عنها صاحب البيت، أخبره أنها ابنة البارون جاك دي ساسيناج، وتلقب ب «هيلين الجميلة» تشبهًا بهيلين الطروادية. قرر جم سلطان زيارة قصر والدها ومعه صاحب البيت بلانكفورت، نبت الحب بينهما، بدأ يتقابلان سرًا، وتبادلا الرسائل والشعر، لكن كانت نهاية القصة محزنة، حيث أخبرت هيلين جم أنها لن تستطيع رؤيته مجددًا لأن والدها سيزوجها أحد النبلاء الفرنسيين، حزن جم، وتزوجت فليبينا ليهديها جم قطعة ألماس، ولم يرها بعد ذلك. شاعت قصة جم وفليبينا باسم «قصة الأمير جم وهيلين الجميلة».
حين كان جم سلطان يعبر شوارع فرنسا أو روما كان الناس يحتشدون لرؤية الأمير العثماني شقيق السلطان العثماني وابن الفاتح.. لكن وقع مالا يحمد عقباه، إذ قرر البابا اينوسنت الثامن حشد حرب صليبية جديدة ضد المسلمين وضم جم إليها.
طلب جم من البابا أن يحرره من الأسر ويدعه يذهب إلى مصر لأجل لقاء أمه وزوجته وأولاده، نصحه البابا بالذهاب إلى مصر طالما قرر التخلي عن العرش، أو أن ينضم إلى حملة يقودها ماتياس كورفينوس ملك المجر. جاء مبعوث ملك المجر بالفعل بعد عدة أيام إلى روما وطلب من جم أن يذهب هو والبابا إلى المجر، لينضم إلى جيوشهم فقال لهم جم: «هذا يعني أني سأخرج من المجر بجيش مسيحي ضد المسلمين. وسيعلن العلماء أني خائن. لن أرتد عن ديني لأي سبب كان، وإن كان ثمن ذلك هو العرش».
وجه البابا كلمات مسيئة إلى جم بالإيطالية، لكن جم رد عليه، ظن البابا أن جم لا يفهم الإيطالية جيدًا، فاعتذر البابا لجم وتركه. مرض جم سلطان وهو في الطريق إلى نابولي بمرافقة الجيش الفرنسي ومات، يقول العثمانيون: إن البابا سممه، لكن يقال في أوروبا أنه مات بسبب مرض عضال وأن الملك شارلز الثامن حاول كثيرًا مداواته ولم ينجح.
بعد موته في نابولي في 25 فبراير 1495 أقام السلطان بايزيد صلاة الجنازة عليه غيابيًا وأعلن الحداد في السلطنة ثلاثة أيام، وبعد أربع سنوات نُقل رفاته إلى بورصا ليدفن هناك.. وتسلم بايزيد أحصنة شقيقه جم سلطان ومجوهراته وكتبه ودواوينه لتنتهي قصة حزينة وأسطورة عن أمير عثماني وقع في أسر أوروبا.
إعلامي مصري