وقفات قانونية.. مكافحة جريمة غسل الأموال ضرورة لا خيار
قطر الأولى خليجيًا والثانية على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مكافحة غسل الأموال

تعدّ جريمة غسل الأموال جريمة مُستحدثة، ومنظمة وعابرة للحدود، ترافق ظهورها مع ظاهرتي التطوّر العلمي والتقني الذي سهّل انتشارها محليًّا وإقليميًا وعالميًّا، فلم تعد تقف عند حدود معينة، بل على العكس حبكت خيوطها الإجراميّة حول الاقتصاد العالمي وجعلت من الحدود الفاصلة بين الدول جسرًا لا بل ساحة جريمة.
فمصطلح غسل الأموال أو تبييضها يعني إضفاء طابع المشروعيّة على الأموال المتأتيّة من السرقة والاحتيال والاتجار غير المشروع بالمخدّرات وأي عمل آخر غير مشروع وتوظيفها في مشاريع ضخمة أو تحويل النقود إلى مصارف أجنبيّة.
وبالنظر لخطورة هذه الظاهرة وأثرها المدمّر على النظم الاقتصاديّة والاجتماعيّة للدول الكبيرة، تزايدت قناعة المجتمع الدولي بضرورة توحيد الجهود والمساعي وتوظيفها في مواجهة هذه الظاهرة الخطرة، فبادرت العديد من المنظمات الدوليّة والعالميّة والإقليميّة إلى صياغة الاتفاقيات الدوليّة بغية الحدّ من تداعياتها، حيث تُعتبر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدّرات والمؤثرات العقليّة (فيينا 1988) فاتحة الجهود الدوليّة في إطار مكافحة غسل الأموال، جسّدت مدى اهتمام المجتمع الدولي بضرورة مكافحة هذه الجريمة، هذا على المستوى الدولي.
أمّا على المستوى الوطني، فدأبت دول العالم على وضع تشريعات وقوانين تحدّ من خطرها المُستفحل، لا سيّما الدول العربيّة الحريصة، على إعطاء صورة حقيقيّة تعكس وضع العمل المصرفي العربي، وكالعادة كانت دولة قطر السبّاقة في إرساء إطار تشريعي داخلي لمكافحة هذه الجريمة، فوضعت القانون رقم 20/2019 الخاص بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، الذي تضمن مجموعة من التدابير الوقائيّة التي تلتزم بالقيام بها المؤسسات الماليّة والأعمال والمهن غير الماليّة المحدّدة، والتي تهدف من خلالها إلى تحديد وإدارة مخاطر غسل الأموال، والحظر على المؤسسات العامّة والأعمال والمهن غير الماليّة المحدّدة الاحتفاظ بحسابات مجهولة، أو حسابات بأسماء وهميّة بشكل واضح، هذا واستحدث القانون المُشار إليه آنفًا، اللجنة الوطنيّة لمُكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وأولاها سلطة تقييم المنظومة والإشراف على حسن سيرها ووضع الاستراتيجيات المُلائمة، وتنضوي تحت هذه اللجنة وحدة المعلومات الماليّة والجهات الرقابيّة وجهات إنفاذ القانون لضمان حسن تطبيقه.
كل هذه التدابير والإجراءات جعلت دولة قطر تحتلّ المرتبة الأولى خليجيًا والثانية على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مُكافحة غسل الأموال.
في الختام،
لقد أثبتت المنظومة القانونيّة التي أسست لها دولة قطر لمُكافحة جريمة غسل الأموال فاعليتها في الحدّ من انتشارها، إلا أنّ وصول دولة قطر إلى هذا المستوى المتقدّم، يضعها أمام مسؤولية كبرى تحتّم عليها مضاعفة جهودها، إذ لم يعد بإمكانها الاكتفاء بإصدار تشريعات وقوانين تجرّم عملية غسل الأموال، إنما بات من واجبها توظيف جهودها في تتبّع المصدر الحقيقي للأموال، والسعي لتجفيفه من منابعه، عسى بعملها هذا تقتلع هذه الجريمة من رحم أمها.
الشريك المؤسس لمكتب شرق
وعضو لجنة قبول المحامين