المنبر الحر
الله الذي يهيئ لعباده الأسباب

هل يريد الإنسان لنفسه إلا الخير؟

بقلم /د. حجازي خليل

 

«رمتني بدائها وانسلت»، نسمع هذا المثل كثيرًا، ولكن لمن يُقال؟ وماذا يُقصد به؟ يقال لمن يحاول نسب عيوبه إلى غيره، وهو معروف عند بعض الناس من ضعاف النفوس، أو عند من لا يثق بنفسه، وهكذا فهناك من يلصق عيوبه بغيره، لأنه لا يراها ولا يشعر بها، فهذا المثل يعني، أنها عيرتني بعيب هو فيها وذهبت، أو ألصقت بي تهمة هي صاحبتها وغادرت، وهكذا هو حال الكثير ممن يُعلّق فشله على الآخرين.
وأخطر من ذلك من يدعّي العلم والصلاح وهو يُعالج قضية ما فبدلًا من تقديم النصح والإرشاد يشنّ هجومه وينتقد ويكذب ويلوي أعناق النصوص ليًا عنيفًا من أجل هواه أو لينتصر لنفسه بالباطل، كقول القائل:
يا أيها الرجل المعلم غيره .. هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا .. كيما يصح به وأنت سقيم
وقد جاءت الآيات والأحاديث لتؤيد وتؤكد ذلك المعنى، فقد قال نبي الله شعيب عليه السلام لقومه «وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى ما أنهاكم عنه..» (هود آية:٨٨)، وهذه مهمة كل داعية وكل مؤمن مُكلّف يريد الفلاح للمسلمين، فلم أنهكم عن شيء إلا وقد ألزمت نفسي بتركه، انطلاقًا من قناعتي بما يتضمنه من المفسدة، وما يؤدّي إليه من الضرر، وبذلك فإن موقفي ينطلق من موقع القناعة والإيمان، لا من موقع الرغبة في التحكّم بكم، والتضييق عليكم، «إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ» هذا هو الشعار الذي أرفعه في حركة الرسالة، وهذا هو مضمون مفاهيمها وتشريعاتها، وهذا هو الهدف الذي أسعى إليه من وراء موقفي معكم ومع الناس، فليس لدي هدفٌ شخصيّ فيما أدعوكم إليه، ولا أريد ممارسة السيطرة عليكم ولا التحكّم بكم، بل كل ما أريده تأدية الرسالة في إصلاح الإنسان والحياة، على هدي دين الله، ولذا فإنني ألتزم في نفسي وفي حياتي العمليّة بما أدعوكم إليه، وهل يريد الإنسان لنفسه إلا الخير، «وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ»، وسأستمر في السير إلى الهدف، متطلعًا إلى توفيق الله ورعايته، معتمدًا على الله فهو الذي يهيئ لعباده الأسباب، ويدبّر لهم الأمور.
قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: من الحياء المحمود أن يخجل الإنسان أن يؤثَر عنه سوء ويحرص على بقاء سمعته نقية من الشوائب: «وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه» بهذا ينجح الداعية في طريقه، ولو لم يجد ثمرة هذا في الدنيا، مثلما واجه شعيب عليه السلام رغم كل هذا صدودًا، حتى أهلك الله قومه في نهاية المطاف. فالثمرة من عند الله، ولكن لا بد من تحقيق شروط لتحقيق صحة المسار ذاته، وهو الذي يُسأل عنه المرء يوم القيامة لا عن نتائج دعوته.

العلامات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X