الدوحة – عاطف الجبالي:
لم يتوقف مُستخدمو منصات التواصل الاجتماعي على مدار الأيام الماضية عن إبداء امتعاضهم الشديد بسبب ارتفاع معدلات التضخم، حيث باتت «السوشيال ميديا» ساحة للنقاش البنَّاء، حول الأسباب التي أدَّت إلى ذلك، ومن المسؤول؟، وكيفية عودة السوق إلى الانضباط؟ وأين دور الأجهزة الرقابية؟، وهل زيادة أسعار السلع تتماشى مع الأوضاع الاقتصادية العالمية؟
وحتى كتابة هذه السطور لم يتوقف السجال الذي بات محتدمًا، حيث تحوّلت صفحات مغردين مشهورين إلى ساحات للنقاش لبحث جذور الأزمة وسبل حلِّها في أسرع وقت ممكن. واستجابةً لنبض المجتمع، قامت الراية الاقتصادية باستطلاع آراء الخبراء ورجال الأعمال، الذين أكَّدوا أن معدلات التضخم الحالية غير مبرَّرة وتعكس جشع التجّار.
وقالوا: إنَّ زيادة أسعار السلع الاستهلاكية في قطر هي العُليا بين دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك وفقًا للأرقام الرسميّة الصادرة من الجهات المختصة، وقالوا: إنَّ هناك مبررات لارتفاع التضخم، ولكن ليس بهذا المستوى، حيث إنَّ التجار بالغوا في الزيادة واستغلوا وضع السوق وضعف الرقابة من قِبل حماية المستهلك.
وأضافوا: إنَّ التضخم يعود إلى عدة أسباب، أهمها، ارتفاع رسوم الشحن العالمية، وزيادة الإيجارات، وتعقيد إجراءات الاستيراد، وغياب الرقابة، وجشع التجار، مؤكدين ضرورة عودة السوق إلى توازنه بحيث تكون أسعار السلع، وخاصة الاستهلاكية والأساسية، في متناول كافة شرائح المجتمع.
وأشاروا إلى أنَّ قطر شهدت خلال السنوات القليلة الماضية طفرةً كبيرةً في الإنتاج المحلي في مُختلف القطاعات، ويجب أن ينعكس ذلك بالإيجاب على مُستويات الأسعار بالسوق، مُطالبين بضرورة مواصلة خطط دعم المُنتج الوطني.

د. عبدالرحيم الهور:التضخم يؤثر على كافة مكونات الاقتصاد

قالَ الخبيرُ الاقتصاديُّ الدكتورُ عبدالرحيم الهور: يحمل مصطلح التضخم عدة معانٍ مُتناقضة في آن معًا، فهو أحد مؤشرات ارتفاع السيولة وزيادة عرض النقد وانفتاح التيسير الكَمي وانخفاض شروط الإقراض وازدياد عدد المشاريع، ومن ناحية أخرى، له معانٍ شديدة السلبية، فالتضخم يعني تراجع قيمة النقد، وبالتالي ارتفاع الأسعار وينتج عنه مشكلة اقتصادية حقيقية تنخر الاقتصاد بمفهومه الشامل. وأضاف: تظهر آثار التضخم السلبية على كافة مكونات الاقتصاد من المنتجين إلى المستهلكين إلى كَميات الإنتاج وصولًا إلى جودة ونوعية المنتج ارتباطًا بتكلفة الإنتاج، ولمعرفة الحلول علينا أن ندرك أولًا أن التضخم هو أثر جانبي طبيعي مع نمو الاقتصاد، ولكن لا يمكن أن يترك هذا الأثر دون مراقبة ودون توجيه لأنه إذا ترك كما أسلفنا فإنه سيعمل على نخر إنجازات الاقتصاد.
وأشار د.عبدالرحيم الهور إلى أنَّ الحل بعد معرفة نوع التضخم هو مراقبة عنصرَين أساسيَين، الأول مراقبة عرض النقد M1 ويُعنى بكمية النقد المتداول بمعايير متعددة، والثاني مراقبة الأسعار الأساسية والمؤثرة في تكاليف الإنتاج، وأهمها أسعار العقارات والإيجارات التجارية والسكنيّة؛ لأنَّها المؤثر الأول على تكاليف الإنتاج، ومراقبة مستويات نموِّها بشكل متوازنٍ يضمن القيمة الحقيقيَّة للعملة.

محسن المالكي:زيادة الأسعار غير مبررة

100 % ارتفاع في أسعار بعض السلع

أكَّدَ السيد محسن المالكي، أنَّ ارتفاع أسعار السلع في قطر لا يتماشى مع معدَّلات التضخم حول العالم، حيث إنَّ الزيادة في الأسعار بالسوق المحلي مبالغ فيها، وهي العُليا في دول مجلس التعاون الخليجي.
وقال: إنَّ التضخمَ في قطر يعود إلى عددٍ من الأسباب والتي تشمل، زيادةَ الإيجارات وارتفاع تكاليف الشحن والاستيراد، وزيادة أسعار الوقود، وتعقيد إجراءات الاستيراد، وزيادة رسوم الرخص والسجلات التجاريّة، بالإضافة إلى غياب الرقابة على الأسواق.
وأبدَى المالكي اندهاشَه من زيادة أسعار المنتجات المحلية مقارنةً بنظيراتها المستوردة من الخارج رغم تحمُّل الأخيرة رسومًا كبيرة للشحن، مبينًا أنَّه يوجد فوضى في الأسعار، وأن التضخم يشمل كافة السلع.
ونوَّه إلى أنَّ هناك شركاتٍ كبيرةً للسلع الاستهلاكية أخلَّت بمبادئها وبدلًا من إحداث توازن في السوق قامت باستغلال المستهلكين، حيث رفعت أسعارها دون مبرِّر لتعزيز أرباحها، حيث تعاملت مع السوق مثل تجّار التجزئة.
وطالبَ بضرورة إيجاد حلولٍ سريعة ومنطقية لمواجهة الزيادة الكبيرة في الأسعار، والتي أثرت بالسلب على كافة شرائح المجتمع، مبينًا أن بعض أنواع المخبوزات ارتفعت أسعارُها 100%.
وتساءل المالكي عن دور حماية المستهلك لمواجهة هذا الارتفاع غير المبرّر في الأسعار، مؤكدًا على ضرورة تنظيم حملات تفتيشية دورية على كافة منافذ البيع للتأكد من التزام الجميع بسياسة الأسعار دون استغلال للمُستهلكين.
وقال: بعضُ التجار يُرجعون التضخم بالسوق المحلي إلى ارتفاع رسوم الشحن في العالم، وكأنَّ هذه الزيادة تطبق على المستوردين من قطر فقط والتي تشهد أعلى معدلات التضخم في المنطقة!. يجب أن تكون الزيادة في أسعار السلع منطقية وتتماشى مع أوضاع الأسواق العالميَّة.
وأكَّد المالكي ضرورة أن يكون هناك تسهيلات للاستيراد جوًا وبحرًا، بحيث تكون رسوم الشحن معقولةً، والإجراءات سلسةً لتشجيع التجار، وزيادة العرض مقارنة بالطلب، بما يخلق نوعًا من التوازن في السوق.

محمد عيسى المهندي:الشركات الصغيرة والمتوسطة أكثر المتضررين

قالَ رجلُ الأعمال محمد عيسى المهندي: إنَّ ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكيَّة والأساسية في السوق المحلى، يعود إلى غياب الرقابة من قِبل الجهات المُختصة، مؤكدًا أن بعض أنواع المنتجات تضاعفت أسعارُها عدة مرات.
وأضاف: إنَّ بعض التجار استغلّوا غياب الرقابة وقاموا بزيادة الأسعار بصورة مبالغ فيها، ما تسبب في غلاء مُعظم المنتجات بالسوق المحلي، مبينًا أنَّ كافة السلع شهدت ارتفاعًا غير مُبررٍ.
وأشار المهندي إلى أنَّ زيادة معدلات التضخم تنعكس بالسلب على مُعظم الشركات، وخاصةً الصغيرة والمتوسطة والتي تتكبد أعباء إضافية لتغطية متطلبات موظفيها الذين يعانون من زيادة الأعباء المعيشية. وكشف أنَّ هناك شركة وطنية كبيرة قامت باستغلال الأوضاع الراهنة وزادت أسعار منتجاتها بصورة مبالغ فيها لتضاعف أرباحها ما ساهم في زيادة معدلات التضخم، مُشيرًا إلى أنَّ هذه الشركة تحصل على امتيازات كبيرة من الدولة، وكان يجب عليها أن تعمل على تحقيق التوازن في الأسعار.
وأوضحَ المهندي أنَّ زيادة الأسعار تشمل قطع غيار السيارات ما أدَّى إلى ارتفاع كبير في أجور ورش الصيانة و«الكراجات» بالمنطقة الصناعية، موضحًا أن بعض المستهلكين اتجهوا لشراء السلع من خارج قطر عبر منصات التجارة الإلكترونيّة مثل «أمازون».


ونوَّه إلى ضرورة تشديد الرقابة على الأسعار، حيث إنَّ استمرار معدلات التضخم الحالية سيؤدِّي إلى زيادة الأجور وأعباء المعيشة.
وأوضحَ أنَّ المزارع القطريَّة تقدم مختلف أنواع الخضراوات بجودة عالية وبأسعار تنافسية، مُشيدًا بدورها الكبير في المساهمة في تلبية احتياجات السوق المحلي.