فنجان قهوتي ممزوج بالحكايات
بقلم/د. حنان شريف القبج
شتاء هذا العام مختلف، أيلول (سبتمبر) قد طوى ثوبه، والسماء تتهيأ لوفود الغيم القادمة محملة بالمطر والبرد والثلج.
من هنا ومن علي شرفتي، ممزوجًا بصوت فيروزي أسعد الله صباحكم برائحة الهيل، فللقهوة ذكريات، كالحب قليل منه لا يروي وكثير منه لا يُشبع، أرتشف رشفة من قهوتي فأتذكر الماضي وصوت الجدة يناديني وصوت الطفل في الحارة يعانق صوت بائع الحلوى وها هو صوت أمي يوقظني، مع كل رشفة أعيش مشهدًا مع صديقة راحلة أو جارة عابرة، أو ضيف له أثر لا يُمحى، لأجد في كل رشفة لقهوتي طعمًا باقيًا بقاء هذه الذكريات.
أتذكرُ جدتي، أشتَمّ شيئًا من رحيقها، أجد ضحكتها فمع كل حبة بُن مطحونة كانت تستيقظ فجرًا لتحميصها وطحنها وغليها، تقرع الذكريات أجراسها.
آه يا جدتي كم احتسينا القهوة ممزوجة بالأحاديث المختلفة ممزوجة بضحكات بريئة، فنجان قهوتي مستودع أسراري حينما تتزاحم في صدري أوجاع الحياة، هناك حيث عشرات من فناجين القهوة عاشت حياة قصيرة وانتهت على سطح المكتب دخان السجائر الكثيف يتحول مع الوقت إلى أجواء ضبابية لتولد الكتابة مرتبطة بطقوس وعادات أصحابها، هناك حيث الشاعر الفلسطيني محمود درويش يغازل فنجان قهوته كما يغازلُ حبيبتَه.
وفي مكانٍ آخر نجده تائهًا بين فناجين قهوته حينًا وفي حين آخر يكتب قصيدته عندما زارته أمه في السجن محملة بالفواكه والقهوة وحزنها لمصادرة إبريق القهوة فكتب على علبة السجائر، أحن إلى خبز أمي، وقهوة أمي، ولمسة أمي، وتكبر في الطفولة يومًا على صدر أمي، ويقول نزار قباني:
عندما أشرب القهوة معك أشعر أن شجرة البن الأولى زرعت من أجلنا.
وكما للعشق قواعده الأربعون هناك قواعد القهوة الأربعون لمحمود جمعة، لا تشرب القهوة إلا مع من تحب، أو من تريد أن تحب، أو من تريد أن يحبك، أو من تفتح معه مصدر أبواب جديدة للمودة.
دعونا نشرب القهوة معًا لنسطّر ذكرى أنس ومحبة لا ننساها أبدًا.