صاحب السمو يخاطب ضمير العالم عبر منتدى الدوحة
سموه عبّر عن رؤية قطر لضمان مستقبل أفضل لشعوب العالم
كلمة صاحب السمو تفتح آفاقًا واسعة للحوار حول القضايا الدولية
صاحب السمو يحذر من الحلول العسكرية وتداعيات التغير المناخي
افتتحَ حضرةُ صاحب السُّمو الشَّيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المُفدَّى منتدى الدوحة في دورته العشرين التي تعقدُ تحت شعار «التحول إلى عصر جديد» أمس بكلمة تاريخية تناولَ فيها أهم التحديات الدولية التي يمرُ بها العالم.
جاءت كلمةُ صاحب السمو لتفتح آفاقًا واسعة للحوار والنقاشات الثرية لمنتدى الدوحة الذي تحوَّلَ على مدى 20 عامًا من إطلاقه إلى منصة حوار دولية بين قادة الفكر والمتخصصين وصنَّاع القرار حول العالم، ليشهدَ في نسخته الجديدة حضورًا غير مسبوق من رؤساء الحكومات والوزراء وكبار المسؤولين والبرلمانيين ورجال الأعمال والإعلام وممثلي منظمات إقليمية ودولية ومنظمات المجتمع المدني.
وحظيت كلمةُ صاحب السمو باهتمام عالمي واسع بما تتناوله من رؤية شاملة لتشخيص وحلول لتحديات العالم الذي يمرُّ بمرحلة دقيقة، كما عبَّرت كلمة سموِّه عن مواقف دولة قطر تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدوليّة.
وقد لخصَ سمو الأمير واقعَ العالم اليوم، بأنه وصل إلى مرحلة مفصلية على كافة المستويات، السياسية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية، وهي مرحلة تتطلبُ مراجعات جذرية قبل أن يصلَ العالم إلى حالة من فقدان التوازن.
كما تضمنت كلمةُ صاحب السمو رسائل عديدة للعالم شملت ضرورة تضافر الجهود الدولية لمواجهة تداعيات التغير المناخي، لافتًا إلى مخاطر زيادة أنماط الاستهلاك غير الصديقة للبيئة ومعدلات الإنتاج الصناعي غير المسؤولة، ما قد يؤدي إلى تداعيات كارثية تمسُ الإنسانية جمعاء، بل إن تداعياتها ستطالُ حتى الأجيال القادمة.
فقد خاطبَ سمو الأمير ضميرَ العالم، محذرًا من الزيادة المرعبة في معدلات الفقر العالمي، وصعوبة الوصول إلى مقومات الحياة الأساسية والمجاعات، نتيجة الفجوة الاجتماعية والاقتصادية بين الدول، وفي المجتمع الواحد، والتي تنبئ بخلل جسيم في الاقتصادات الكلية لا سيما بعد تعزيز قطاع التكنولوجيا ودوره في الاقتصاد وحياة الأفراد.
ووضعَ سُموُّ الأمير حلولًا واضحة لتجنب تلك المخاطر، مؤكدًا أن العدالة الاجتماعية هي صمام الأمان الحقيقي للمجتمعات، ما يتطلبُ سياسات ضريبية عادلة؛ لأن غالبية المجتمعات لا يمكنها الاستغناء عن خدمات الدول.
النبرة الإقصائيَّة
كما حذرَ سموُّه في نفس الوقت من الأصوات الشعبوية ذات النبرة الإقصائية في زمن التوترات المجتمعية والانكماش الاقتصادي، منوهًا بخطورة ظاهرة الإسلاموفوبيا التي لا تقتصرُ على قوى اليمين الشعبوي، وتحتاجُ إلى وقفة حازمة وجادة ضدها كتلك التي شهدها العالم في الوقفة ضد التمييز العرقي، وضد العداء للسامية التي باتت تُستخدَمُ على نحوٍ خاطئ ضد كل من ينتقدُ سياسات إسرائيل.
وجددت كلمةُ صاحب السمو موقفَ دولة قطر الثابت من نبذ العنف وترويع المدنيين والاعتداء على سيادة الدول وكل ما من شأنه أن يشكلَ خرقًا للقيم الإنسانية والقوانين الدولية، معبرًا عن أسفه من تقلص المساحات السياسية والدبلوماسية لصالح التمدد العسكري والحلول المسلحة، منوهًا بأنَّ «عسكرة الحلول في التنامي تصل واحدة من أصعب ذرواتها في العقود الأربعة الأخيرة في الحرب الأوكرانية».
تضامن قطر
إنَّ دور دولة قطر على مرِّ التاريخ وسيط موثوق لنزع فتيل النزاعات الإقليمية والدولية لترسيخ الأمن والسلم الدوليين، كما أنها ستبقى دومًا نصيرًا للضعفاء والمقهورين، وهو ما عبرت عنه كلمة صاحب السُّموِّ بإعلان سُموِّه عن تضامن دولة قطر مع الملايين من الأبرياء واللاجئين ضحايا هذه الحرب غير العادلة والحسابات الجيوسياسية.
وفي الوقت الذي عبَّر فيه سُموُّ الأمير عن تضامن دولة قطر مع كل تلك الفئات المظلومة حول العالم، ذكَّر سُموُّه بالملايين من الفلسطينيين الذين عانوا ويعانون من الاحتلال الإسرائيلي والتجاهل الدولي منذ أكثر من سبعة عقود، ومثلهم كثير من الشعوب الأخرى كالشعب السوري والشعب الأفغاني، الذين فشل المجتمع الدولي في أن ينصفَهم.
رسائل مباشرة
وفي رسائل مُباشرة وواضحة وشاملة لخَّص صاحب السمو ما يمرُّ به العالم من تحديات سياسية، نتيجة تلك الحروب غير العادلة والحسابات الجيوسياسية، والتي تكشفُ عن أن المعادلات التي استقرّ عليها النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية -وبعد انقضاء الحرب الباردة- آخذةٌ في التغيُّر.
وفي تلك المرحلة الحرجة التي تستدعي الحكمة في الطرح، والمكاشفة في حجم وتداعيات ومخاطر ما يشهدُه العالم من تداعيات، خاطبَ صاحب السمو المجتمع الدولي وضمير العالم لا سيما الدول الكبرى بالدعوة إلى وقفة جادة لتحديد مستقبل النظام الدولي « لنطرح على أنفسنا سؤالًا هامًا، ما هو شكل العالم الذي نريدُ أن نورثَه لأبنائنا؟ ما هو العصر الجديد الذي أثبتت الحرب الجارية حاليًا في القارة الأوروبية وقبلها جائحة كورونا وغيرها من الأزمات المتتالية أننا لا بدَّ أن نعملَ على إعادة تشكيله لصالح الإنسانية جمعاء؟ هل ستجيب الدول الكبرى عن هذا السؤال بالقتال بعد التنافس على تطوير أنواع جديدة من الأسلحة؟ لا يمكن أن تقبلَ الإنسانية بهذا السيناريو الكارثي، ولا بد من وسائل وسبل أخرى غير الحرب للتوصل إلى الأجوبة.
رؤية قطر
وقد أجابَ صاحبُ السُموِّ عن تلك التساؤلات المباشرة، بتلخيص رؤية دولة قطر، وخياراتها العقلانية في ترسيخ الأمن والسلم الدوليين، مؤكدًا أن دولة قطر اختارت طريقَ الحوار العقلاني القائم على الموازنة بين القيم والمصالح المشتركة في الوقت ذاته.
وقالَ: اخترنا طريق الوساطة لحل النزاعات بالطرق السلمية. وقد راكمنا خبرة في هذا المجال نضعُها في خدمة السلام والاستقرار والحلول العادلة للنِّزاعات.
وعن رؤية سُموِّ الأمير لصورة العصر الجديد الذي نحلمُ به، والذي يعملُ سموُّه من أجله، قال: إنَّ العصر الجديد الذي نحلمُ به، وأعملُ شخصيًا من أجله، هو عصر السلام والأمن والتعايش للجميع، هو عصر العدالة الاجتماعية، العصر الذي يستطيعُ فيه جميع الناس الوصول إلى احتياجاتهم الأساسية من التعليم والصحة والموارد المائية والعيش بكرامة، ويستطيعون فيه تحقيق أنفسهم وممارسة نمط حياتهم وثقافاتهم.
صوت الحكمة
لا شك أنَّ كلمة حضرة صاحب السُّموِّ الشَّيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المُفدَّى، تمثلُ صوت الحكمة، وصدى هتافات شعوب العالم، لغد أفضل تتوافرُ فيه مقومات العدالة الاجتماعية لتحقيق الأمن والسلام والتنمية والرخاء للمجتمعات، عالم يتاح فيه لكافة الشعوب الوصول إلى احتياجاتهم الأساسية من التعليم والصحة والموارد المائية والعيش بكرامة والتعايش بين الجميع، عالم يختار طريق الحوار والحلول السلمية للمشاكل والصراعات بدلًا من الحلول المسلحة.
حوار دولي
وتمثلُ تلك الرسائل السامية ركيزةً هامةً ليس فقط لإثراء نقاشات منتدى الدوحة للخروج بمقترحات وحلول قابلة للتطبيق، ولكن أيضًا نقطة انطلاق لحوار بين المُجتمع الدولي حول رؤية قطر لمواجهة التحديات في تلك المرحلة الحرجة التي تشكلُ منعطفًا خطيرًا نحو مُستقبل غامض.