اللاعبون المسلمون في ملاعب أوروبا.. بين التمسك بفريضة الصوم والالتزام بالعقود

الدوحة – قنا:
يواجه اللاعبون المسلمون المحترفون في الدوريات الأوروبية تحديات عديدة خلال شهر رمضان، فمع إصرارهم على الصوم بالتزامن مع خوض المباريات يثير هذا الأمر جدلاً واسعاً، حتى إن بعضهم يفقد فرصة اللعب أو حجز مكان أساسي في فريقه، بدعوى عدم قدرته على الصمود أمام إرهاق الصيام والمشاركة في المباريات ذات المستويات العالية.
ويجد الكثير من اللاعبين أنفسهم بين مطرقة العقود الاحترافية التي وقعوها مع أنديتهم وسندان تراجع الأداء في الملعب والذي يكلف اللاعب خصما ماليا وقد يضعه في خانة التقصير التي تؤدي إلى الاستغناء فيلجأ بعض اللاعبين لفتاوى تبيح لهم الإفطار ويصر البعض الآخر على الصوم ومواصلة العمل الاحترافي.
ويلعب عدد كبير من اللاعبين المسلمين في قارة أوروبا، وأبرزهم لاعب ريال مدريد كريم بنزيما، وثنائي هجوم ليفربول المصري محمد صلاح والسنغالي ساديو ماني، ورياض محرز نجم مانشستر سيتي الإنجليزي، وأشرف حكيمي نجم باريس سان جيرمان، وحكيم زياش نجم تشيلسي الإنجليزي والفرنسي نيغولو كانتي نجم خط وسط تشيلسي، وغيرهم الكثير.
وبما للشهر الكريم من قيمة إسلامية وإيمانية عالية كركن من أركان الإسلام أوجب الله تعالى على الأمة فيه الصوم، فإن الاحتراف في كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى، يضع الرياضيين في جدل كبير بين الرخص التي تبيح الإفطار في رمضان والمحافظة على فريضة الصوم. وبين هذا وذاك تكثر الآراء والاختلافات حول الصوم والإفطار للاعبين المحترفين في الدوريات الأوروبية التي يستمر النشاط فيها طيلة العام وفي كل الشهور.
وكشفت العقود الماضية عن التزام كبير للاعبين المسلمين في الدوريات الأوربية بهويتهم وإصرارهم على التمسك بالصوم بعيدا عن عقلية الاحتراف التي تفرضها الأندية الأوروبية وتشتمل على الكثير من المشقة في العمل وتقابلها التغذية والنظام الغذائي الذي يفرض على اللاعبين تناول الطعام والعصائر وفق نمط يتعلق بالعمل البدني الشاق والسعرات والطاقة التي يستمدها اللاعب من أكله وشربه بحساب علوم التدريب والاحتراق الغذائي والسعرات الحرارية.
ومن أبرز اللاعبين المسلمين في أوروبا كان اللاعب الدولي المالي السابق “فريدريك كانوتيه”، الذي دافع كثيرًا عن حقه في الصيام رغم غضب فريقه السابق إشبيلية الإسباني من الأمر.
وعن هذه المسألة صرح كانوتيه سابقا بأنه “أحيانا يكون الأمر صعبًا في ظل حرارة الجو المرتفعة في جنوب إسبانيا، ولكنني أستطيع القيام بالأمر الحمد لله. أعتقد أن إيماني يفيدني في كرة القدم، وكرة القدم تفيدني صحيًا، لذا فلا يوجد تعارض بينهما، خاصة أن من يعرف الإسلام يعلم أن الصيام لا يضعف المسلم بل يزيده قوة”.
وشهدت ميادين كرة القدم في العقود الماضية العديد من المواقف والمحطات التي تعرض لها اللاعبون، فجاء القليل منها سلبيا وأكثرها كان إيجابيا من خلال احترام المدربين وجماهير الأندية لقواعد الدين الإسلامي ورغبة اللاعب في إتمام واجبه المفروض عليه وهو صيام الشهر.. وهذا ما أجمع عليه نخبة من أبرز المدربين واللاعبين السابقين الذين لعبوا في الدوريات الأوروبية في حديثهم لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ عن تجربة الصيام ولعب كرة القدم خلال الشهر المبارك.
وأكد رفيق صايفي لاعب المنتخب الجزائري السابق، وأندية تروا ولوريان واجاكسيو وايستر الفرنسية والخور القطري، أن قدوم شهر رمضان المبارك والصيام يذكره بالعديد من المواقف والذكريات التي ظلت راسخة في ذهنه خاصة مع احترافه في أوروبا.. مبينا أن الشهر الفضيل في الملاعب الأوروبية يختلف كليا عن الملاعب العربية بالنسبة للاعبين المسلمين.
وقال رفيق صايفي، في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، “لقد لعبت كثيرا في الدوريات الأوروبية، وعلى مدار 10 سنوات، كانت لي العديد من الصولات والجولات مع مختلف الأندية، وعشت تجربة صيام شهر رمضان الكريم بكل تفاصيله، فالبدايات دائما ما تكون صعبة، فهناك بعض المدربين يتفهمون الوضع ويتركون المجال للاعب من أجل الاختيار إن كان سيلعب صائما أو يفطر، وهناك بعض المدربين كانوا يرفضون الفكرة جملة بأنها قد تؤثر سلبا على مردود الفريق وخاصة في المواجهات القوية”.
وبين الدولي الجزائري السابق أن تجربة لعبه خلال شهر رمضان كانت ميسرة، في ظل تناغمه و تفاهمه مع المدربين بخوض المباريات صائما، حيث إن بعضهم يسمح باللعب مع الصيام ويحترم فريضة المسلم، وبالتالي ألعب بشكل مثالي لأن في ذلك مرضاة لله ورد الجميل لهم على أرضية الملعب.
واستحضر رفيق صايفي أبرز ذكرياته مع الصيام في الشهر الفضيل، قائلا عندما كنت ألعب في صفوف ايستر الفرنسي وتحت إشراف المدرب البوسني محمد بازدارفيتش كانت لدينا مواجهة قوية ضد نادي ليون، وخلال 25 دقيقة لعب وقف المدرب عند خط التماس وأعطاني بعض حبات التمر وقارورة مياة لأنه كان وقت حلول الإفطار.. ومثل هذه الأمور تجعلك فخورا بكونك مسلما محافظا على هويتك الإسلامية وملتزما بما فرضه الله عليك.
وأضاف صايفي “أستحضر أيضا موقفا جميلا حصل لي مع المدرب الفرنسي كريستيان غوركوف الذي كان يحترم المسلمين احتراما شديدا ولا يتدخل في شؤون اللاعبين المسلمين بخصوص خوضهم المباريات وهم صائمون، حيث سمح لي بالتدرب في الفترة الصباحية فقط، أما الفترة المسائية فكانت مخصصة للقيام بشعائري الدينية خلال الشهر الكريم ومع ذلك كنت أقوم بتمارين فردية خلال الفترة المسائية من أجل المحافظة على لياقتي البدنية وعدم التقصير خلال المباريات”.
وكشف اللاعب الجزائري أن المدرب غوركوف كان يسأله كل 20 دقيقة عن حالته البدنية باهتمام كبير وبأدق التفاصيل عكس بعض المدربين الرافضين للصيام خوفا من أن ينعكس الأداء سلبا على الفريق.
وقال النجم الجزائري السابق “لقد عانيت في بعض المباريات لكن العزيمة والإصرار على إتمام فريضة الصيام كانت أقوى من رغبة ملاك النادي أو حتى المدربين”.
أما عن تجربة الصيام أثناء لعبه مع المنتخب الجزائري، فقال صايفي، “كانت لدينا مواجهة مهمة مع أوغندا وكانت الحرارة شديدة للغاية ورفض جميع اللاعبين فكرة الإفطار، ورغم ذلك نجحنا في العودة بنقطة تعادل.. فالذكريات تظل خالدة عندما يجتمع اللاعبون على طاولة واحدة عند وقت الإفطار”.
وأشاد رفيق صايفي باللاعبين المسلمين الذين يلعبون في الوقت الحالي في أقوى الدوريات الأوروبية ويرفضون الخضوع لقرارت النادي والمدربين بعدم الصيام، والأمثلة كثيرة على غرار محمد صلاح وساديو ماني في ليفربول، ورياض محرز مانشستر سيتي، وحكيم زياش تشلسي الإنجليزي.. مبنيا أن العديد من المدربين فهموا جيدا عقلية اللاعب العربي المسلم فعند احترام ديانته سيعطي كل ما عنده من جهد ليساهم في رد هذا الجميل.
واختتم رفيق صايفي تصريحاته لوكالة الأنباء القطرية /قنا/ قائلا، “لا أبالي إن كنت سأخسر مكاني كأساسي في الفريق، خلال شهر رمضان أحرص على إتمام الفريضة وصيام الشهر المعظم وكسب رضا الله، فالأموال لا تدوم لكن طاعة الله هي المكسب الكبير”.