واحة النفس.. الحج مدرسة تربوية تعزز الصحة النفسية
إن الحج مدرسة تربوية إسلامية عامرة بشتى القيم النبيلة والدروس النافعة للفرد والمجتمع، قال تعالى: «وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلحَجِّ یَأتُوكَ رِجَالا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِر یَأتِینَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِیق، لِّیَشهَدُوا مَنَٰفِعَ لَهُم وَیَذكُرُوا ٱسمَ ٱللَّهِ فِي أَیَّام مَّعلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِیمَةِ الأَنعَام» الحج 26، وقال تعالى: «ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يَٰٓأُوْلِى ٱلْأَلْبَٰبِ» البقرة 196.
وقلما تجد مدرسة في دنيا الناس تجمع بين التعليم والتربية والصحة والوقاية والتثقيف والإرشاد، وإن وجدتها ألفيت مناهجها قاصرة، لا تفي بحاجات الإنسان الفطرية والنفسية والروحية. والحج هو أحدُ ينابيع السعادة الروحية وطريق تصفية النفس وترقية أحوالها والسمو بها إلى مدارج الكمال وإبعادها عن المواقف المادية، وللمطالب النفسية والروحية شأن عظيم ومكانة عالية إذ هي التي تحدِّد خصائص شخصية الإنسان وصفاته السلوكية ومظاهر حركته الاجتماعية وأنماط تفاعله مع الناس، ومعنى هذا أن طاقة الجسم وحاجته محكومة وموجهة من طرف الروح وحاجتها، لذا يوصي الإسلام بأن تهذب الروح وتنقح وتصفى من كل أدران الجاهلية لتقوى على تحمل مسؤولية التوجيه والإرشاد.
وعبادة الحج تقضي على المشاعر المادية والدوافع النفسية المرتبطة بأطماع الدنيا، لتصفو العلاقات بين الحجاج وتستقيم حياتهم الاجتماعية، وهذا أمر طبيعي؛ لأنَّ انكسار شوكة المجتمع وخور قواه راجع لا ريب إلى غلبة الدنيا واستيلائها على القلوب، والحج ينشئ في النفوس اليقظة هذه المشاعر الطيبة والإيحاءات، بغية أن تنعكس في الواقع فتؤتي أكلها كل حين.
وفريضة الحج تربط الأصل بالفرع، وأشعة النور بمصدر الضوء، ولها من الآثار النفسية التربوية على سلوك الحاج ويكفينا أن نذكر القيم النفسية التربوية التالية:
1- الحج يجعل صاحبه يكفُّ عن الكذب واللغو وقول الزور وما له علاقة بالحرام، والمسلم لا يكون مسلمًا حقًّا إذا اعتاد الكذب وتزييف الأمور بل إن الإيمان لينتفي عنه كل الانتفاء، فعن صفوان بن سليم قال: قيل يا رسول الله أيكون المؤمن جبانًا قال: نعم، قيل له أيكون المؤمن بخيلًا، قال: نعم، قيل له أيكون المؤمن كذابًا، قال: لا. رواه مالك.
2- الحاج يتدرب طوال أيام الحج على تصفية نفسه وحملها على الطهر والصلاح كي يظفر بما ظفر به أهل الاستقامة والرشاد في الدنيا والآخرة.
3- لا ريب أن الذي يتحلى بخليقة الوقار يكون طوال حياته متواضعًا، وخاصة أثناء الحج فيخفض جناحه لإخوانه وأحبابه وسائر عباد الله الذين هم ضيوف الرحمن، فلا يتطاول عليهم ولا يتظاهر أمامهم بعلمه وصلاته أو جسمه أو قوته أو نفوذه، قال تعالى: «واخفض جناحك لمن تبعك من المؤمنين». الشعراء 215
4- الحج يلعب دورًا عظيمًا في التوازن والاعتدال والقسط والقوامة ولو تمسك الحاج بأوامر الله تعالى واتباعه للحسنات وفعل الطاعات واجتناب المُنكرات والمعاصي والتهاون بالصالحات لتغيرت نفسه وارتقت به إلى نفوس الطاهرين الفائزين ويتخلص تمامًا من أمراضه وأسقامه ونقائصه.
إدخال السرور على المسلم أفضل القربات وأعظم الطاعات
لكل أمَّةٍ مِن الأمَم عيد يأنسون فيه ويفرحون، وهذا العيد يتضمَّن عقيدة هذه الأمة وأخلاقَها وفلسفةَ حياتِها، فمِن الأعيادِ ما هو منبثِق مِن الأفكارِ البشريَّة البعيدة عن وحيِ الله تعالى، وهي أعيادُ العقائد غيرِ الإسلاميَّة، وأمَّا عيد الفطر وعيد الأضحى فقد شرعهما الله تعالى لأمَّة الإسلام، قال الله تعالى: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا).. الرايةالحج:34].
إنَّها سعادةٌ غامرةٌ تلك التي يستشعرها المرء عندما يُسعد الآخرين أو يُشارك في إسعادهم أو تخفيف آلامهم، سعادة لا تحس بها إلَّا النفوس الطاهرة النقية، التي رجاؤها دومًا وجه ربها وسعيها دومًا هو في طرق الخير المضيئة.
إنَّ الحياة كدٌّ وتعبٌ ومشقةٌ وصعابٌ ومشكلاتٌ واختباراتٌ وآلامٌ، وما يصفو منها ما يلبث أن يتكدر، وليس فيها من أوقات صفاء رائق إلا أوقات العبادة المخلصة لرب العالمين سبحانه.
والناس، كل الناس بحاجة إلى يدٍ حانيةٍ تربت على أكتافهم في أوقات المصائب، وتقوِّم انكسارَهم في أوقات الآلام، وتبلل ريقهم بماء رقراق عند جفاف الحلوق.
وهي من أهم الوسائل في تقوية الروابط وامتزاج القلوب وائتلافها، كما أن إدخال السرور على المسلم يُعد من أفضل القُربات وأعظم الطاعات التي تُقرب العبدَ إلى الله سبحانه وتعالى.
ولإدخال السرور إلى القلوب المُسلمة طرق كثيرة وأبواب عديدة منها ما ورد في حديث ابن عمر:
(أحب الناس إلى الله أنفعهم وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن- ولكن كيف تدخله؟-.. قال: تكشف عنه كربًا أو تقضي عنه دينًا أو تطرد عنه جوعًا. ولئن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف شهرًا في المسجد، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء الله أن يمضيه أمضاه ملأ الله في قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجة حتى يثبتها له ثبت الله قدمه يوم تزل فيه الأقدام).
وإن سوء الخلق ليفسد الأعمال فلا أقل من الابتسامة والبشاشة، فابتسامتك في وجه من تلقاه من المسلمين لها أثر في كسب قلوبهم؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)، والوجه الطلق هو الذي تظهر على محياه البشاشة والسرور.. قال عبد الله بن الحارث: (ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وقال جرير: (ما حجبني رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم).
كما كان صلى الله عليه وسلم، ينبسط مع الصغير والكبير يلاطفهم ويداعبهم وكان لا يقول إلا حقًا، وبهذا الأسلوب كسب قلوب صحابته.
وما أروع هؤلاء الصالحين أصحاب النفوس الطاهرة الذين يسعون دومًا في إدخال السرور على إخوانهم، فيسألون عن أحوالهم ويسارعون في نجدة ملهوفهم، ومداواة مريضهم وحل مشكلاتهم مهما كلفهم ذلك تعبًا في أجسادهم أو بذلًا من أموالهم أو شغلًا في أوقاتهم، رجاء بسمة سرور ورضا من هذا الحزين بعد زوال حزنه، فيسرها الصالح في نفسه ليعدها في صالحات أعماله يوم اللقاء.
– مشكلتك ليس قلة ما تملك ولكن مشكلتك قلة الدوافع.
– إذا لم تكن تعرف طريقك جيدًا لن تستطيع الوصول إلى نهايته.
– الشخص الحر هو الذي يقول لا للخطأ ونعم للصواب.
– عندما تفهم معنى وجودك في الحياة سوف تدرك أنها هامة بالنسبة لك.
– أهم أسباب الفشل في الحياة هو عدم الاعتراف بالأخطاء.
– عش يومك ولا تفكر بهموم الغد الذي لم يحن بعد وتصرف في حدود إمكاناتك.
– أعطِ القدوة من نفسك لشريكك في الحياة، ودع أفعالك هي التي تتحدث وتتكلم عن شخصيتك.
– تذكر حسنات زوجتك عند نشوب أي خلاف بينكما ولا تجعل مساوئ الطرف الآخر تسيطر على عقلك فتنسيك حسناته.
– لا تضايقي زوجك بكثرة أسئلتك فيما لا يخصك عندئذ يترك البيت ويمضي إلى مكان آخر يستريح فيه.
الخوف يعيق حياتي الطبيعية
أريد أن أستفسرَ على شيءٍ يحيرني دائمًا وهو: خوفي من اللاشيء يعيقُ استمرارَ حياتي بالشكل الطبيعي وجزيتم خيرًا. أخوكم: مهند.
الإجابة:
أخي الفاضل مهند حفظك الله ورعاك، نوجه لك شكرنا على تواصلك معنا.
وإن شاء الله تعالى سنكون لك عونًا في مساعدتك لحل مشكلتك.
بعد قراءةِ استشارتِك بتمعُّن اتضح لي -أخي الفاضل- أن الشيء الذي تُعاني منه هو ضعف في قوة الشخصية، فما تذكره هو من صفات الشخصية الضعيفة، أو ما يُسمى في مصطلح علم النفس ب »الشخصية القاصرة السلبية»، ويعتبر هذا قصورًا في الشخصية ذاتها، ويتميز صاحب هذه الشخصية بأنه:
1- إنسانٌ بدون همة.
2- يهرب من المسؤولية، ولا يحب أن يجهد نفسه.
3- لا يعرف الطموح، ولا يمكن أن ينهض بأي من الالتزامات التي قد تفرض عليه.
4- علاقته بالناس علاقة سطحية، لا يحب مخالطتهم.
5- يفضل العزلة والانطوائية.
ومثل هذا النوع من الشخصيات بالفعل له علاج، وعلاجه يحتاج منك -أخي الفاضل- ما يلي:
1- قوة العزيمة والإرادة، والتوكل على الله سبحانه وتعالى، وأنا أحيي فيك قوتك وعزيمتك على تغيير شخصيتك، ومعرفة الخلل الموجود فيها.
2- تقدير الذات واحترامها، ويعرَّف على أنه إنسانٌ له كيانه ووجوده، وله قدراته وإمكاناته، ولكن يحتاج إلى تحريك هذا الشيء الساكن، فمثل هذه الشخصية يجب أن تدرب من صاحبها نفسه، وذلك عن طريق:
3- حاول أن تخرج من العزلة والانطوائية إذا كنت تعيشها؛ فهي تسبب لك الضعف والقصور والسلبية.
4- حاول أن ترجع ثقتك بنفسك، وحدث نفسك دائمًا على أنك قادرٌ بإذن الله تعالى بأن تنجح وترتقي إلى الأعلى.
5- واجه الأمور الصعبة بالصبر والتحمل، وعدم الاستسلام للأمر الواقع، فإذا فشلت في المرة الأولى؛ حاول وحاول مراتٍ لكي تصل إلى الهدف المنشود.
6- أبعد عنك اليأس والقنوط؛ فهما يسببان ضعف الشخصية، وحاول أن تبتسم دائمًا؛ فالابتسامة طريق القوة والنجاح.
7- حاول أن تحذر لصوص الطاقة الذين يسلبون منك قوتك وإرادتك وعزيمتك، مثل: تشتت الذهن، والتعب، والإرهاق، والقلق؛ فهؤلاء يجعلون الشخصية ضعيفة وسلبية، فاحذر أن تقع فيها.
8- لا تحقر آراءك وأفكارك، واعرضها على الآخرين دون خوف، أو تردد، أو خجل.
9- ابتعد عن العصبية، وكن هادئًا مطمئنًا، ومتزنًا؛ فهذا يُساعدك على تقوية الشخصية، وإعطائك ثقة بنفسك أكثر.
وأنا أقول لك -أخي الفاضل-: صاحب هذه الشخصية يستطيع أن يتغلب عليها ويصوبها إذا التزم بقوة الإرادة، وعرف قدر ذاته وشخصيته، وأنت بإذن الله تعالى تستطيع أن تفعل ذلك، وتتخلص من هذا الجمود
وبالله التوفيق.